لا شك أن مظاهر البهرجة في مجتمعنا آخذة في التزايد مع مرور كل عقد أو عقدين من الزمن. فبدلًا من أن تُواجَه وتُحاصَر، نجد، على العكس، تشجيعًا صريحًا ومبطّنًا على تكريسها وتضخيمها. تبدأ المظاهر بمراسم تخرج من الصف الأول الابتدائي، تتبعها احتفالات متوالية في كل مرحلة دراسية، حتى التخرج من الجامعة. احتفالات يُعنى فيها بالمظهر أكثر من الجوهر، تُوجَّه فيها الأنظار إلى تصفيق الجماهير بدلًا من غرس الثقة الذاتية في نفوس الأطفال، وتحفيزهم على مواصلة التقدّم والإبداع. أليس من الأجدى أن نكتفي بحفل بسيط في نطاق الأسرة، يُقدَّم فيه للطفل هدية تنمّي فكره، وتوسّع أفقه، وتُشعره بأن إنجازه الشخصي هو القيمة الحقيقية، لا تصفيق مدفوع الأجر؟ توالي هذه الاحتفالات المبالغ فيها لا يرسّخ في وعي الطفل، حين يكبر، سوى الاهتمام المفرط بالمظاهر والاستهلاك المفرغ من المعنى، والانشغال المَرَضي بنظرة الآخرين، على حساب الاهتمام بالقيمة الحقيقية للأشياء. ومن صور البهرجة الأكثر تفشيًا في المجتمع، حفلات الزواج الفارهة التي تُثقل كاهل العريس بأعباء مادية هائلة، في سبيل ليلة لا تتجاوز بضع ساعات. مظاهر جوفاء لا تُضيف للعروسين سوى عبء جديد، في «عشٍّ زوجيٍّ» لا يكاد يتّسع لطموحهما، فيجد العريس نفسه مجبرًا على الدين - لا عن قناعة - بل من أجل تحصيل لقمة عيش. حفلات تُنظَّم لأجل نظرات المعازيم، الذين، مهما بلغت التكلفة حد الكمال، لن يعجزوا عن إيجاد ما ينتقدونه. وإذا ما واجهتهم بهذه الحقيقة، جاء الرد المكرور: «إنها فرحة العمر، ليلة لا تتكرر». ولكن، في واقع الأمر، ليست هذه فرحة العمر، بل صدمة العمر؛ صدمة كان من المفترض أن تُترجم إلى سعادة أبدية، فتحوّلت إلى وحش شره، يتغذّى على نظرات الآخرين. لقد باتت هذه البهرجة مرضٍا عضالا، كسرطان متفشٍّ في نسيج المجتمع، وأصبحت أحد الأسباب الجوهرية لعزوف الشباب عن الزواج، لما يرونه من فواجع تنتظرهم على أعتاب «ليلة العمر»، التي تتحول إلى كابوس يُخيفهم من الإقدام، ويقنعهم أن ثمن العزوف أهون بكثير من ضريبة مُكلفة لا ترحم.