وجدتني في مسرح داخل جامعة حكومية مخصصة للطالبات، أشاهد فيلمًا سينمائيًا عالميًا، وأمامي فرقة أوركسترا عالمية متعددة الجنسيات، تعزف الموسيقى التصويرية لهذا الفيلم بشكل حي على المسرح، فشعرت كأنني أعيش فصول الفيلم حقًا؛ من تفاصيل تحليق الطيران الحربي، إلى نشوة النصر، ثم انكسار قلب المحب، ولوعة بكاء الفقد، وفرحة العودة إلى المنزل ناجيًا من حرب طاحنة.. وهكذا. إن نظرت إلى يميني ويساري، وجدت عائلات من غرب أوروبا وشرق آسيا وأمريكا اللاتينية، والأغلبية شابات وشبان سعوديون، هم من ارتقت على سواعدهم مثل هذه المبادرات، حتى انتهى العرض وغادر الجميع المكان بكل حفاوة وراحة. لو رويت ما قلته أعلاه لأحد أصحابي قبل 10 أعوام، لقال: «الحمّى لاعبة بك؟! تغطى كويس قبل لا تنام!». ذلك أن يهيئ الله للرياض، وللمملكة عمومًا، رجلًا قال عن التطرف «الصحوة»: (سندمرها اليوم وفورًا). أوفى بما قال، ونحن ومعنا كبار قادة العالم نشهد. إنه عرّاب الرؤية الذي جعل الهيئة الملكية لمدينة الرياض تعود للحياة بكامل طاقتها وحيويتها. فالمبادرة التي حضرتها «مهرجان الرياض لموسيقى الأفلام»، إحدى مبادرات «قطاع نمط الحياة» في الهيئة الملكية لمدينة الرياض، وأحد الأنشطة المصاحبة لكأس العالم للرياضات الإلكترونية، في الوقت الذي كانت فيه بعض العواصم تراهن على أن الرياض ستظل مدينة إدارية جافة. حتى أثبت لهم سموه أنهم مخطئون، إذ ألهم شباب الوطن الطموح، بهمة مثل «همة جبل طويق»، جعلوا الرياض معزوفة تتناغم بين ما هو عالمي وما هو حفظ للتراث. أشبه ما تكون بأوركسترا حيّة تعزف على يد أمهر العازفين العالميين، حتى أطلت العاصمة السعودية بثوب جديد، لا يكتفي بخلع القديم، بل ينسج مستقبله بخيوط من الإبداع غير المسبوق. فمن كان يتصور أن تحتضن قاعات جامعية مخصصة للطالبات فعالية عالمية بهذا المستوى من الاحتراف والإبداع؟! يجتمع فيها الفن السابع مع أعذب نغمات الأوركسترا الحيّة، حاملةً رسالة «أننا نُبدع ونقود العالم». تابعت تناغم الآلات مع مشاهد الفيلم، ومع كل نغمة أتذكر لحظات خالدة في تاريخ الرياض؛ فبين طبول الحرب في الفيلم، أتذكر كيف رددنا على يد الشر وقطعناها، حين تجرأت وأطلقت صواريخها الباليستية تجاه المدنيين في الرياض، ثم كيف تحولت الرياض إلى إحدى أكثر مدن العالم توسعًا ونهضة خلال السنوات العشر الأخيرة، كانت تهتز داخلي مشاعر حقيقية، من الفخر إلى الفرح بما أراه، وكأن الموسيقى لا تُعزف على المسرح، بل داخلي. وكلما أطلت نظري لجنبات المسرح، رأيت أناسًا من مختلف القارات يتفاعلون، يصفقون، يدمعون، ويبتسمون في اللحظات ذاتها، الرياض صارت ملتقى الأرواح قبل أن تكون ملتقى للثقافات. من عاش في الرياض خلال أيام الصحوة، فكأنه كان يشاهد فيلمًا بالأبيض والأسود، بجمود ودون صوت. أما حاليًا، فهو يعيش (الرياض بمعزوفة أوركسترالية حيّة).