الجميع يهدي ابنته للآخر مجانًا! هذا هو حال المجتمعات العربية للأسف الشديد، حيث لا أحد يسأل عن قلب هذه الفتاة، ولا عن مشاعرها وأحاسيسها، ولا عما تريد، فالجميع يقلّد بعضهم بعضًا بتمرير فتياتهم لأبناء بعضهم دون أن يكون هناك سؤال حقيقي لأي فتاة عن رأيها في كيان الزواج، وعن نظرتها إلى زوجها المستقبلي، وهل هي راضية عن الارتباط بهذه الطريقة أم أنها مكرهة؟ وهذا واقع غالبية المجتمعات العربية، للأسف المُخجل! ينتشر، بل يسود، الزواج التقليدي دون نقاش أو سؤال، لمجرد أن العادات والتقاليد والأديان أمرت الناس بذلك عبر سوط العيب والعار الذي سيجعل العائلة تتوارى خجلًا من مقابلة أو التعايش مع بقية المجتمع المنغلق فكريًا واجتماعيًا. الجميع يسير كقطيع، متبعًا الأجيال التي سبقته دون أن يُعير انتباهًا لفتاة خرجت إلى هذا الوجود من خلاله، وأنه هو المسؤول عن سعادتها أو شقائها عبر اختيارات ظالمة لا تناسب الطبيعة البشرية لبني آدم! الكل يحاول أن يُرضي إما والديه أو إخوته، فضلًا عن إرضاء القبيلة أو المنطقة التي ينتمي إليها، حتى لو كان ذلك على حساب ابنته! نحن مجتمعات مضحكة مبكية، كيف ندّعي أن الشرف هو أغلى ما نملك بينما نحن نسلم هذا الشرف على طبق من ذهب لمن يتقدم، حتى لو كان هذا الشرف ذاته ضد هذا القرار! حيث أصبح شرف المجتمع مرتبطًا بمن يدفع أكثر (تحت اسم المهر أو الصداق)، ونحن نتغنى بأننا نموت دون هذا الشرف! هذا النوع من الزواج، وهو السائد، بل الذي يكاد يكون النوع الوحيد الموجود في السوق، هو نوع مهين ومذل للمرأة بشكل يجعل كثيرًا من النساء ينفرن من الزواج جملةً وتفصيلًا! بل إن كثيرًا من الفتيات اضطررن لارتكاب مخالفات أخلاقية هن غير راضيات عنها عبر حيل، كأن تتزوج إحداهن فقط لتسكت أفواهًا تتحدث عن تأخرها في الزواج، ثم ترتكب جرمًا أخلاقيًا بأن تختلق سببًا للطلاق دون وجود هذا السبب على أرض الواقع! هي اضطرت لأن تدخل هذه المعركة، والمثل العربي يقول: من كان له حيلة فليحتال! أي أن دخولها هذه المعركة الأخلاقية كان بإرادة المجتمع، ولكن إنقاذ نفسها من هذا الزواج البائس بالنسبة لها هو إرادة ذاتية لها؛ لذا فهي ارتكبت هذه المخالفة الأخلاقية كي تعود عزباء من جديد! هذا يسبب جروحًا غائرة في أرواح الشباب والفتيات لن تندمل إلا بعد زيارة عزرائيل، واسألوا طارق الحبيب! لو قارنا بين الزواج التقليدي التعيس وبين الزواج الأقرب إلى الإنسانية، وهو الزواج الذي يُترك فيه القرار للفتاة والشاب وحدهما (هنا لم أقل ترك القرار للحب لأن الأمر أعمق)، فإن النتائج بالطبع ستكون مختلفة نفسيًا ومجتمعيًا، بل وحتى اقتصاديًا على الجميع! الأغلبية العظمى ستلتزم بقراراتها، ولن تحمل الآخرين تبعات أخطاء قرارات كانوا هم المسؤولين عن اتخاذها. لماذا؟ لأن الإنسان بطبيعته لا يلوم الآخرين على أشياء اختارها لنفسه، ولأن طبيعة الإنسان هي أن يتعلم من تراكم الخبرات والتجارب لتصحيح نفسه بنفسه، ولكن متى نعي ذلك؟ تحديات كبيرة وعميقة داخل النفس البشرية تواجه الزواج التقليدي العدائي للطبيعة البشرية التي فطر الله الناس عليها، وبين التبعات الأقل تكلفة والتي تقوم على حرية الاختيار وتقرير المصير، فالزواج هو أن تقرر مصير حياتك للخمسين سنة القادمة، مما يعني تأثيرًا لمدة خمسين سنة على حياة المجتمع وعلى الاقتصاد كذلك، فتبعاته لا تقتصر على الشخصين المتزوجين كما قد يسوق دعاة الزواج التقليدي، وإنما تتجاوز ذلك للتأثير على اقتصاد الدول! الحلول الممكنة هي أن نكون بشرًا أسوياء، وأن نقتنع بأننا نطبق سياسة في الزواج هي عدو لطبيعة الإنسان الذي خلقه الله سبحانه بطبيعة أخرى يجب علينا البحث عنها حتى نكتشفها، كي نتمكن من إيقاف نزيف أرواح بنات وشباب، وحينما يصل هذا النزيف إلى نقطة معينة، فإنه يمنحهم حياة بائسة، تعيسة، شقية، بحيث تكون حياة كثير من الحيوانات الزوجية (تهكمًا) أقل تعاسة من حياة إنسان تعلم ودرس والتحق بالجامعات! الحل سهل جدًا وبسيط، ولكن الجميع يخجل من الجميع، والجميع يكذب على الجميع، والجميع استسهل بيع (مجازًا) بناته على أن يعلق الجرس لإنقاذ ابنته، ومن ثم إنقاذ بقية المجتمع المغيب تبعًا لذلك! الأمر بسيط جدًا وهو أبسط مما يتخيله الكثيرون، ولكن نحتاج إلى أن نعترف بشيء واحد فقط كي ننقذ بناتنا وأبناءنا من هذه العبودية، وهو أن نقول بابتسامة هادئة: سنبحث عما خلقنا الله عليه!