وزير الخارجية يتلقى رسالة خطية من نظيره العراقي    فضيلة المستشار الشرعي بجازان "التماسك سياج الأوطان، وحصن المجتمعات"    نائب أمير القصيم يستقبل الرئيس التنفيذي للمركز الوطني للنخيل والتمور    القيادة تهنئ حاكمي جمهورية سان مارينو بذكرى اليوم الوطني لبلدهما    بسبب الجوانب التنظيمية لكأس السوبر السعودي : الاتحاد السعودي يعلن إقالة الأمين العام إبراهيم القاسم    الأمير سعود بن نهار يتسلّم تقرير بنك التنمية الاجتماعية بالطائف    المملكة تنهي ترتيبات إصدار صكوك دولية ب 5.5 مليارات دولار    ملتقى "السياحة الثقافية" ينطلق في تنومة غدا الخميس    أربعون عاما في مسيرة ولي العهد    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بجازان يطلق حملة للتبرع بالدم لعام ٢٠٢٥م    الحثلان يزور مهرجان التمور والمنتجات الزراعية بالزلفي    د. علي الشهري يشكر القيادة الرشيدة بمناسبة ترقيته للمرتبة الرابعة عشرة    أمانة حائل تواصل برامجها لمعالجة التشوه البصري وتحسين جودة الحياة .    بوتين يجتمع مع كيم ويشكره على دعمه الجيش الروسي    باستثمار قيمته 14.7 مليار درهم «طاقة» تنجز صفقة تمويل محطتي كهرباء في السعودية    الدكتور علي الشهري يشكر القيادة الرشيدة بمناسبة ترقيته للمرتبة الرابعة عشرة    النفط يستقر وسط ترقب لاجتماع أوبك+    استشهاد 112 فلسطينيًا في قصف غزة    المرور: القيادة على الأكتاف والأرصفة مخالفة تربك الحركة المرورية    أمير حائل يرأس اجتماع قيادات شرطة المنطقة وأفرع الأمن العام الميدانية .    القيادة تعزّي رئيس مجلس السيادة الانتقالي بجمهورية السودان في ضحايا الانزلاق الأرضي بجبل مرة    الأمن الإسكاني والرؤية المباركة    موجز    ميلاد ولي العهد.. رؤية تتجدد مع كل عام    جلوي بن عبدالعزيز يدشن مستشفى غرب نجران للولادة والأطفال والعيادات التخصصية    لبنان يترقب خطة الجيش لنزع سلاح حزب الله    القضاء الفرنسي يصدر مذكرة توقيف بحق الأسد    الاتحاد الأوروبي يؤكد دعم حل الدولتين    مروج الحشيش والإمفيتامين في قبضة الأمن    كورونا أصلي.. والعباءة صينية    تحت رعاية سمو ولي العهد.. انطلاق مؤتمر«الاستثمار الثقافي» نهاية سبتمبر    معرض "روايتنا السعودية".. رحلة حسّية وبصرية في كرنفال بريدة للتمور    ياسمينا العبد: «ميدتيرم» دراما بنكهة مختلفة    علي بكر جاد وجواهر اللغة المخبأة (2)    كيف يستهدفون السعودية الحرب الخفية على الهوية    الإنسان الرقمي    السفهاء والمنبوذون    تعزيز التعاون الاقتصادي مع فيتنام    نص لِص!!    الإلحاد جفاف معنوي وإفلاس روحي    « البابايا» تعالج أعراض حمى الضنك    تدشين برنامج إدارة مراكز الرعاية الأولية    فيثاغورس المركزية الأوروبية والتحيز العرقي    "الأخضر الشاب" يختتم تحضيراته لمواجهة قطر في كأس الخليج    ولي العهد ورئيس فرنسا يبحثان الأوضاع في غزة    خطبة الجمعة.. حقوق كبار السن وواجب المجتمع تجاههم    الدعم غير متساوٍ!    مارتينيز: كان من المستحيل رفض عرض النصر    أحداث فلكية    مادة مرنة تشحن بالجسم    بطولة أرامكو هيوستن تفتتح آفاقاً جديدة لجولف السيدات ضمن سلسلة PIF العالمية    4 عوامل لتحديد سعر الاستشارات الأسرية    سماعة تكشف الأمراض في 15 ثانية    وباء اليأس يضرب الشباب    ميكروبات الأمهات تبني أدمغة الأطفال    2.9 مليون اتصال للعمليات الأمنية    نائب أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    المملكة تعزي السودان في ضحايا الانزلاق الأرضي بجبل مرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يتعانق المدرسون في المدارس؟
نشر في الوطن يوم 16 - 07 - 2025

دمشق كانت الفتيلة الساخنة للعرب أيام الأمويين، الفتيلة التي خرج منها ثلاثة إشعاعات: إشعاع نحو شمال إفريقيا، ثم الأندلس. وإشعاع نحو خراسان وبلاد ما وراء النهر. وإشعاع نحو الأناضول والقسطنطينية. وجاء معها سؤال: لماذا نجح فتح الأندلس، وتعثر حصار القسطنطينية؟ لماذا سقطت سمرقند ولم تسقط القسطنطينية؟
كان هذا سؤال وجه لأستاذ التاريخ ونحن في الثانوية، وكانت إجابته من شقين، بدأ في الأول يحاول أن يتلمس أسبابًا مثل عدد الجيوش ونوعية المستشارين عند أمير المؤمنين، ودهاء القادة الذين سيروا في المعارك، ولم ينس الخيانات التي قد تكون سببا، إلا أنه في الشق الثاني تذكر آية «قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والله مع الصابرين» فقال: إنها إرادة الله للصابرين، فربما لم تصبر دمشق على القسطنطينية بما يكفي لتتحقق إرادة الله.
لم يكن أستاذ التاريخ متدينًا، لكنه يحب المتدينين كعادة كثير من المدرسين آنذاك، لهذا لم أنْس قوله: «لتتحقق إرادة الله»، وأذكر أن أحد الزملاء عرضها على أستاذ العقيدة فعلق عليها تعليقًا لا أذكر نصه بالضبط، لكنه يعترض على سردها بهذه الطريقة. وغاية ذلك أن مدرسيْن لم يتعانقا وهما في حمى واحد، فكيف بأستاذ الفيزياء مثلا عندما ينطق ويعرض منطوقه على أستاذ العقيدة؟ لهذا أستعيد هذه الحكاية الآن، لأتخيل قاعة الدرس تلك تبعث من جديد، وأتخيل إجابة أستاذ التاريخ بأسلوب يتعانق فيه مع أستاذ الفيزياء الذي خرج قبله منهيًا حديثه للطلاب بقول: لا يسير الجسيم في خط مستقيم. بل كل جسيم -كالإلكترون- يصل إلى غايته لأنه أخذ جميع المسارات الممكنة في الوقت نفسه، كل مسار له سعة احتمالية (موجة)، هذه الموجات تتراكب، تتعزز أو تلغى، حتى يظهر الجسيم في نقطة معينة كحصيلة أصوات الاحتمال. ثم يأتي أستاذ التاريخ ليقول بعده: ومثل هذا الإلكترون الموضوع في أنبوب التجربة، كانت المعارك الأموية تسير بمجموع الجيوش الممكنة، وليس كل جيش على حدة، لهذا لم يكن يخطو جيش خطوة نحو هدفه إلا وكانت الاحتمالات تتراكب خلفه، فيكون جواب سؤالك أيها الطالب: لأن المسارات الممكنة هناك -في الأندلس مثلًا- تراكبت تراكبًا بناءً، بينما في القسطنطينية تعارضت المسارات فتلاغت (لفظة تلاغت اقتراح بدل الجملة التي لا أحبها ألغت بعضها البعض). يكمل أستاذ التاريخ ليقول: تخيل أيها الطالب -بعد أن انتهت الدولة الأموية في المشرق- أن عبدالرحمن الداخل جسيم كمومي يفر من الشام، هاربًا عبر الفرات، ثم مصر، ثم إلى طنجة، ثم يعبر إلى الأندلس، هل كانت تلك خطة تحسب كما تحسب حركات العرب ومعاركهم في منطقة الحجاز؟ أم سلسلة احتمالات تتراكب؟ هل دخول عبدالرحمن إلى الأندلس كان فعلًا ذا مسار بسيط يشرح باليقينيات المركزية، أم نقطة تداخل بين موجات: موجة العداء للعباسيين في الأندلس، وموجة ذاكرة الاسم (بنو أمية) وتاريخه المهم في وجدان العرب في الأندلس، وموجة الفوضى السياسية بعد مقتل يوسف الفهري، وموجة دهاء عبدالرحمن الداخل وقدرته على التحالف؟ ألا يمكن أن تكون كل هذه الموجات تراكبت في لحظة واحدة، فظهر اسم الداخل على لوحة الكشف الأندلسية: أميرًا ناجيًا، يعيد تشكيل المعنى في طرف العالم. ولك -أيها الطالب- أن تضع حكاية توحيد الجزيرة مكان الداخل، ليظهر اسم الملك عبد العزيز أميرًا ناجيًا وحد المعنى في كل الجزيرة العربية.
لك أن تتخيل أيها الطالب أن الخلافة الإسلامية تصور قديم انتهى، كتصور نيوتن للعالم (مركز واحد يتحكم في الأطراف)، وهذا يحلل به معارك المسلمين في الحجاز مع أبناء عمومتهم الذين لم يسلموا، ثم تخيل الامتداد الأموي ومعاركه وكيف صارت نظرية الخلافة ومركزيتها لا تستطيع أن تفسر كيف صار الأمر في مكان يختلف عما صار في مكان آخر مع أن المقدمات المركزية واحدة؟ فغير معاوية المعادلة الرياضية، وأكمل تغييرها عبد الملك ومن بعده إلى أن يكون المركز شبكةً من المسارات تتنازع، فإما أن تتكامل أو تتخاذل، فالذي حصل في حاضر الدولة الأموية من انفتاح سمرقند وانغلاق القسطنطينية لم يكن من يقين مسار اتخذه المسلمون، بل مما كان ممكنًا في الماضي، فكيف بك -أيها الطالب- وأنت تقرأ في أحداث الدولة المدنية الحديثة وما بعدها؟
التفاتة:
لعل الطالب في المدرسة كقارئ النص كان قديمًا متلق مفعولًا به ثم أصبح فاعلًا. ومن فاعلية الطالب الحديثة رسم المدرسين متعانقين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.