اشتهرت عند العرب في الأزمان الغابرة أسواق تجتمع فيها القبائل لأغراض شتى تجارية كانت أو ثقافية واجتماعية. وكانت أشهر أسواق العرب الأسواق الثلاثة التي تبدأ من بداية شهر ذي القعدة حتى الثامن من شهر ذي الحجة. وهي عكاظ، ومجنة، وذي المجاز. فقد كانت هذه الملتقيات للتبادل الثقافي والتجاري، فكل منطقة من أجزاء الجزيرة العربية تشتهر بتجارة معينة أو بضاعة مختصة فيها، وأشهر المنتجات البخور، واللبان، والجلود، والتمور، بالإضافة لبعض المحاصيل الزراعية. ولم تقتصر هذه الأسواق على التجارة فقط، فقد كانت عبارة عن منتديات أدبية وثقافية ومحاكم قبلية لحل المشاكل والمنازعات. ومن بداية دخول شهر ذي القعدة بحسب قول أبو الفرج الأصفهاني -الذي أميل إليه- فإن وقتها يبدأ من سوق عكاظ وهو من أكبر وأهم محافل العرب في الجاهلية، تجتمع القبائل فيه فيعكظ بعضهم بعضا أي بالتفاخر، ويحضر حينها شعراؤهم ويعرضوا فيها قصائدهم وخطبهم، فعكاظ كانت كالمعرض الأدبي بالإضافة للأمور التجارية والسياسية. ويستمر حتى أواخر الشهر ويبدأ بعدها سوق مجنة الممتد لمدة عشرة أيام، وهو مهم فيقصده العديد من الناس لقربه من موسم الحج، وآخر أسواق أشهر الحج لدى العرب سوق ذي المجاز، وهو سوق لقبيلة هذيل، ويبدأ من أول ذي الحجة إلى اليوم الثامن يوم التروية، وفيه تلتقي قبائل العرب فيدخلون مكة لحج البيت، ويقع على يمين القادم من عرفة جهة المغمس. هذه الأسواق الثلاثة كانت تحث العرب على قصدها بسبب أنها كانت تقوم في الأشهر الحرم وهي أشهر يشيع فيها الأمن والأمان وتكون الأسواق آمنة والتجارة مزدهرة. لقد تركت هذه الأسواق والتجمعات إرثا ثقافيا وحضاريا، فمنها عرفنا الشعراء وتعلمنا ووصلت لنا معلقاتهم وقصائدهم وذكرت فيها أعظم خطب العرب. لقد اندثرت هذه الأسواق في القرون الأولى بعد الإسلام، وبدأت تتوقف تدريجيا، فمثلا سوق عكاظ توقف لمدة تقارب 1300 سنة، وفي عام 1428ه في عهد الملك عبدالله آل سعود -رحمه الله- أعيد إحياء السوق، وفي عصر الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- في عام 1437ه أقرت مبادرة تطوير الوجهات السياحية، والتي كانت من ضمنها سوق عكاظ.