جامعة الطائف تكشف بدراسة علمية عن مؤشرات فسيولوجية جديدة للمها العربي في بيئته الطبيعية    برعاية وزير المالية.. انطلاق المؤتمر السعودي الدولي للتقييم بالرياض    29.2 % ارتفاع الاستهلاك التجاري للكهرباء    Bitcoin تذبذب وتقلبات حادة    السوق السعودية إغلاق مرتفع وتباين لأداء الشركات    حين يهدأ الداخل تتسع الحياة    محاولة انقلاب بنين تصاعد واضطرابات في غرب إفريقيا    فلسطين وسوريا إلى ربع نهائي كأس العرب .. ومغادرة قطر وتونس    الأخضر يعود إلى لوسيل ويتحكم في الثانية    رئيس اتحاد التايكوندو .. "الحربي" التكامل أساس الارتقاء.. والبطولات المحلية بوابة الإنجازات الخارجية    القُصّر هدف لنيران الاحتلال    تدابير الله كلها خير    تناول الطعام ببطء يقلل التوتر    فيتامين سي يحمي الرئتين    تأهل فلسطين وسوريا لدور الثمانية بكأس العرب بعد تعادلهما سلبيا    4 سيناريوهات تنتظر صلاح مع ليفربول بعد تصريحاته المثيرة للجدل    الأمير منصور بن خالد بن فرحان يقدم أوراق اعتماده لملك الأردن    وزير الخارجية يبحث التعاون الإنساني مع رئيسة الصليب الأحمر    الرياض تستضيف العرض الدولي الثامن لجمال الخيل العربية 2025    انطلاق ملتقى أسر ذوي الإعاقة بعسير    تركي آل الشيخ يطلق النسخة الثانية من مبادرة "ليلة العمر"    زراعي عسير: أكثر من 6 ملايين ريال عائد اقتصادي للعمل التطوعي    "يوم الصفقة".. منصة استثمارية تتجاوز قيمتها مليار ريال في مؤتمر الابتكار في استدامة المياه    الفارسي: الفراغ عدوّك الأول.. والعمل مدرسة الحياة    مدينة الملك سعود الطبية تنجح في إنقاذ مريض توقف قلبه 25 دقيقة    الجوازات تضع شرطا للسفر لدول الخليج بالهوية الوطنية    افتتاح متحف البحر الأحمر في جدة التاريخية    نائب أمير الشرقية يطلع على أعمال فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف بالمنطقة    إنه عمل غير صالح    أمير منطقة تبوك يتابع الحالة المطرية التي تشهدها المنطقة    الهلال الأحمر بجازان ينفّذ برنامجًا تدريبيًا للإسعافات الأولية بمدرسة إبتدائية مصعب بن عمير    المنظومة الثقافية تدشّن مشاركة المملكة في معرض "أرتيجانو آن فييرا" بمدينة ميلانو الإيطالية    الصين تطلق قمرا صناعيا يعمل بالفحم    إغلاق ميناء نويبع البحري في مصر بسبب الأحوال الجوية    استشهاد فلسطينيين برصاص الاحتلال الإسرائيلي جنوب الضفة الغربية    موظف يسرق ذهب محكمة إسطنبول    صليب العتيبي في ذمة الله    تمكين الصناعات الذكية والمحتوى المحلي    «توكلنا» يحصد جائزة أفضل تطبيق حكومي عربي    فلسطين ترحب ببيان الدول العربية والإسلامية الرافض للتهجير    يسرا اللوزي تستعد بمسلسلين لرمضان    إعلان العروض المسرحية لمهرجان الرياض    إطلاق استوديوهات بلاي ميكر في القدية    رغم الانتقادات التي تضمنتها «الوثيقة الأمريكية».. واشنطن الحليف الأكبر لأوروبا    الجيش اللبناني يوقف المعتدين على «يونيفيل»    «الدفاع» تحصد جائزة أفضل تواصل إستراتيجي ب«آيكون»    تتم عبر تصريح «نسك» للرجال والنساء.. تحديد زيارة الروضة الشريفة ب«مرة» سنوياً    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يكرّم الفائزين بجائزة الملك خالد لعام 2025    المجلس العالمي لمخططي المدن والأقاليم يختتم أعماله.. ويعلن انضمام أمانة الرياض لعضوية المنظمة العالمية "ISOCARP"    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. "التخصصات الصحية" تحتفي ب 12,591 خريجًا من برامج البورد السعودي والأكاديمية الصحية 2025م    البلوي يحتفل بزواج سامي    أغاني فيروز تغرم مقهى    جلسات سوق البحر الأحمر تناقش مستقبل صناعة السينما    الرئيس الموريتاني يزور المسجد النبوي    تكلفة العلاج السلوكي المعرفي    رئيس البرلمان المقدوني يستقبل إمام المسجد الحرام الدكتور المعيقلي    أمير منطقة جازان يؤدى واجب العزاء والمواساة لإبراهيم بن صالح هملان أحد أفراد الحماية (الأمن) في وفاة شقيقته    أمير منطقة تبوك يكرم المواطن فواز العنزي تقديرًا لموقفه الإنساني في تبرعه بكليته لابنة صديقه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الإصلاح الإسلامي
نشر في الوطن يوم 27 - 08 - 2024

رغم مرور ما يقارب الألف والأربعمائة عام على حدوثها، لا تزال حركة عبدالرحمن بن الأشعث ضد الدولة الأموية في حاجة ماسة إلى دراستها، والاستفادة من نتائجها، وقد كان المسلمون الإسلاميون حقًا فيما بعد تلك الوقائع، قد خرجوا بنتيجة فقهية جديدة، مستفيدين من آيات الله وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، التي تحض على الالتزام بطاعة الحُكَّام، ومُنْزِلِين تلك الأحاديث على حركة ابن الأشعث التي قُتِل فيها كثير من الخلق وضاعت جراءها كثير من الأموال، وأهدر بسببها عدد من الفرص التي لو نُهِزَت والله أعلم لتغير تاريخ الدولة الإسلامية إلى ما هو أفضل، لكن الأمر كان، ولا نقول إزاء ما كان إلا لا حول ولا قوة إلا بالله. أما الإسلاميون في عصرنا الحاضر، فليس لأكثرهم تجاه هذه الموقعة إلا عكس كلام الأوائل، فإذا كان الأولون استفادوا من تلك الوقائع العملَ بآياتٍ وأحاديث الطاعة لولاة الأمر، فإن المعاصرين قلبوا الأمر ورأوا أنها كانت حركة في الطريق الصحيح نحو الحرية؛ وإذا كان الأولون رأوا في تلك الحركة ضياعا للأنفس والأموال دون حق، فالمعاصرون يرون أن المنايا لا خيار فيها لأحد، وأن الأموال ستضيع هنا أو هناك، ولك أن تنظر في مسرحية «شيخ وطاغية» التي تحكي مشهدًا واحدًا من مشاهد واقعة ابن الأشعث، لتجد هذا النَفَس المستهين بالدماء مقابل محاولة لا غير وإن كانت فاشلة بل مميتة مذلة مرهقة؛ فبان أن قصد الأولين الحفاظ على الدولة وقصد المعاصرين إضاعة الدولة؛ واتضح هذا القصد من كون أهل السنة ممن مقاصدهم دينية محضة لم يشتركوا في أيٍ من محاولات التغيير التي جرت في العالم الإسلامي سواءً منها التي نجحت أم التي فشلت، فلم يكن لأهل السنة المتدينين محاولة من هذا النوع، منذ حركة ابن الأشعث وحتى مطلع العصر الحديث، ولكن الثورات والخروج على الحكام كان من قِبَل طوائف أُخَر غير أهل السنة كالزنوج والإسماعيلية والمماليك، أما المرابطون فقد كان تأسيسهم لدولتهم في زمن لم تكن هناك دولة في منطقتهم، فكان ذلك هو مشروعهم؛ لكن الموحدين الذين ثاروا على المرابطين لم يكونوا من أهل السنة، وكذلك دولة نور الدين زنكي وعماد الدين كانت من دويلات السلاجقة التي كما قلنا لم تنشأ نشأة دينية وإن كانت احتفظت لأهل السنة بقوتهم ومنعتهم، ونَفَعَهُم الله بها، وكان من ثمارها دولة صلاح الدين الأيوبي التي لم تُخَلِّف بعده حاكمًا ذا صلاح، هذا مع ما نتحفظ عليه من أشعريته، وتقريبه لموسى بن ميمون الطبيب اليهودي الذي لا أشك - وهذا رأيٌ لي - أنه تسبب في قتله، وهذه أمور يسيرة يغمرها في بحر محاسنه، رحمه الله، وكذلك الدولة العثمانية كانت في نشأتها قبلية ولم تكن سُنِّية، بل صوفية محضة، وإن كان غلاة المتصوفة يزعمون انتسابهم للسنة محتجين باتفاقهم معهم في مصادر التلقي، ومع هذا فلم تقم على هذه الدول ثورة من أهل السنة، ويصح لقائل أن يقول: وأين أهل السنة في زمن الدولة العثمانية؟
وجواب هذا: أن نعم، لم يكن السنة الحقيقيون إلا أفرادًا في ذلك العصر، وهنا أوضح أنني لا أعني بأهل السنة في هذا المقال السلفيين وحسب، بل حتى الأشاعرة أعنيهم هنا، لكن خلو الأشاعرة من الغلو في التصوف ومن دعاء غير الله والاستغاثة الشركية والتوسل بالمخلوقين كان نادرًا بينهم، ومن لي بأشعريٍ في ذلك الوقت لم تختلط فيه هذه اللوثات التي تكاد تذهب بعقل صاحبها ودينه.
ولم يكن الخروج على السلاطين في كل التجارب السالفة يأتي بوضع أفضل مما مضى، سواء أقام به من ينتسب إلى السنة أم من ينتسب إلى البدعة، فكانت دولة بني أمية خيرًا من دولة بني العباس وهذه خير مما قام في داخلها من دول كالطاهرية والإخشيدية والأغلبية والإدريسية، وهذه جميعها خير من الدولة العُبَيدية التي جاءت بعدها، ولا شك أن الصلاحية جاءت بعد العبيدية وفضل صلاح الدين على العبيديين كفضل الوجود على العدم، لَكِنه لم يأت إلى الحكم في مصر بثورة، بل ظل وزيرًا إلى أن هلك سلطان بني عبيد.
وظل الخروج على السلاطين محرمًا عند أهل السنة وعند الأشاعرة والماتريدية حتى عصر عبدالرحمن الكواكبي [ت1320] الذي ألف كتاب طبائع الاستبداد وكتاب أم القرى، وكان شيخًا دارسًا لعلوم الشريعة، وكان أول من نظَّر لمسألة الخروج على المستبد، ولعل من جاء بعده تأثر به، وهم حسن البنا ومعه جماعة الإخوان، ومن شابههم، إذ لم يكن لرأي العلماء في هذا الشأن أي أثر في رأيهم، بل لم يلتفتوا إليه وظل موضع سخرية عند كثير منهم.
ولعل من أسباب عدم التفاتهم إلى ما قاله العلماء عدم وجود حديث عن الطريقة الشرعية للتغيير، فلم ينه الله عن الخروج على أولياء الأمور إلا وهناك سبيل لدرء الفساد الممكن من جهتهم، وتصحيح الأخطاء وإنقاذ الأمة مما ينبغي أن تنقذ منه، فهذه الأمور لم تكن موجودة في كلام العلماء سوى ابن تيمية، ولم يكن ابنُ تيمية عالِمًا مُحَبَّذًا عند الكثيرين، كما أن مؤلفاته التي تكلم فيها عن لزوم الطاعة لم تكن قد طبعت، فأدى الفراغ في هذا المجال إلى أن يقصُر هؤلاء عقولهم على الخروج، وعلى التكفير، وعلى الحلول الثورية التي هي أقرب إلى التفكير السطحي، وإلى التأثر بتاريخ الغرب، من أن توصف بأنها إسلاميةٌ كما ينبغي. ومنهم من يصف الحل الشرعي الذي يطرحه ابن تيمية بأنه طويل الأمد ولذلك لا يرونه عمليًا ولا يلبي الاحتياجات الراهنة، لأنه يتمثل في ضرورة انشغال أهل العلم وأهل الخير والدعوة، بدعوة الناس إلى توحيد الله والعمل الصالح والبر وصلة الأرحام والرحمة ومكارم الأخلاق من أجل الله تعالى وابتغاء سبيله، فإذا صَلُحت الأمة يسر الله لها حاكما يُصلُح به شأنها.
فهذا العمل الجهيد سيأخذ زمنًا، وقد ينجح وقد يفشل، ولهذا يسارعون في الحلول التي تُسارع بهم في ظنهم إلى ما يبتغون.
والذي ينسونه في تسارعهم هذا هو توفيق الله للمصلحين ووعده لهم بالاستخلاف والتمكين حين يلزمون الإيمان وعمل الصالحات كما قال تعالى ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فِي الأَرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذينَ مِن قَبلِهِم وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُم دينَهُمُ الَّذِي ارتَضى لَهُم وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِن بَعدِ خَوفِهِم أَمنًا يَعبُدونَني لا يُشرِكونَ بي شَيئًا وَمَن كَفَرَ بَعدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الفاسِقونَ﴾.
وهنا أنتهي إلى موعظة للذين يسارعون إلى هدم الدول فأقول لهم اتقوا الله تعالى فليس ما ترمونه هو وسيلة الإصلاح، وقد جربتموها منذ مائة عام وأكثر فما كانت نتائجها، بعد تلك السنوات إلا أماني لا تغني من الحق شيئا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.