محافظ أبو عريش يرأس لجنة السلامة المرورية الفرعية    المملكة تدين بأشد العبارات التصعيد العسكري الإسرائيلي في غزة    "الخريجي" يستقبل سفير جمهورية جيبوتي لدى المملكة    أمير تبوك يستقبل نادي نيوم ويبارك لهم تتويجهم بلقب دوري يلو والصعود إلى دوري روشن    حقيقة انتقال رونالدو وبنزيمة وإيبانيز إلى الهلال    صندوق الاستثمارات العامة يجمع أكثر من 1000 من أعضاء مجالس الإدارة وتنفيذيّ شركاته    الذهب يقفز بفعل تراجع الدولار وتهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية    57٪ من أطفال السعودية يخفون نشاطهم الرقمي عن الأهل    كندا تعلق بعض الرسوم الجمركية المضادة على الولايات المتحدة    أمير الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء جمعية "نور"    انطلاق فعاليات المؤتمر العالمي الأول للميتاجينوم والميكروبيوم    مبادرة طريق مكة تحظى بشرف خدمة أكثر من مليون مستفيدٍ من ضيوف الرحمن منذ إطلاقها    مجموعة فقيه للرعاية الصحية تحصل على اعتماد JCI للمؤسسات كأول مجموعة صحية خاصة في المملكة    وزارة الداخلية تدعو للإبلاغ عن كل من يقوم أو يحاول القيام بنقل مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    أبناء علي بن محمد الجميعة يثمنون دور منتدى حائل للاستثمار 2025 م في الحراك التنموي    حرس الحدود بمنطقة مكة المكرمة ينقذ (10) مقيمين من الجنسية المصرية    حلول واقعية لمعالجة التحديات المعاصرة التربوية    تحالف استراتيجي بين "نايف الراجحي الاستثمارية" و"تي جي سي سي" لتنفيذ مشاريع رائدة في المملكة العربية السعودية    1.89 مليون وفاة سنويًا بسبب الملح    لمسة وفاء.. الشيخ محمد بن عبدالله آل علي    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج الدفعة السادسة من برنامج القيادة والأركان والدفعة الأولى من برنامج الدراسات العسكرية المتقدمة ويدشّن برنامج الحرب    الشؤون الإسلامية تُكمل استعداداتها في منافذ الشرقية لاستقبال الحجاج    ترقية محافظ الفرشة إلى المرتبة الثانية عشر    المملكة 2050.. حين أصبح الحلم واقعاً    ترامب يقول إنه "حزين" إزاء الإعلان عن تشخيص إصابة بايدن بالسرطان    تصعيد في قصف معسكرات النازحين.. الجيش السوداني يسيطر على منطقة «عطرون»    آل بابكر وخضر يحتفلون بزواج علي    إعلاميون ومثقفون يعزون أسرة السباعي في فقيدهم أسامة    الهند.. رفض شراء السجائر لرجل غريب فقتله    افتتح منتدى إدارة المشاريع..الحقيل: 133 ألف منشأة و1.6 مليون فرد بقطاع التشييد    محمد.. هل أنت تنام ليلاً ؟    " الموارد": تجربة" أنورت" لتعزيز تجربة ضيوف الرحمن    هيئة الموسيقى توثق الإبداعات السعودية    مبادرات "عام الحرف" ترسو في مشروع سولتير بالرياض    مجلس إدارة مؤسسة «البلاد» يقر الميزانية العمومية    الفيفا يحدد موعد المباراة الفاصلة بين لوس أنجلوس وأمريكا.. من يحجز المقعد الأخير لمونديال الأندية؟    بعد 19 عاماً من النطحة الشهيرة.. بوفون يعترف: أنا السبب في طرد زيدان    السعودية وجهة المعارض والمؤتمرات.. أمير الشرقية يفتتح «أرينا الخبر» ويشيد بتجهيزاتها    وجبة مجانية تنهي حياة عصابة بأكملها    الحرب على الفلورايد تحرز تقدما    عبدالجواد يدشن كتابه "جودة الرعاية الصحية"    صيام الماء .. تجربة مذهلة ولكن ليست للجميع    أطباء يعيدون كتابة الحمض النووي لإنقاذ رضيع    6000 حاج يتلقون الرعاية الصحية بالجوف    حفل جائزة فهد بن سلطان للتفوق العلمي والتميز.. الأربعاء    نائب أمير عسير يستقبل القنصل الجزائري    اختتام بطولة غرب المملكة للملاكمة والركل بمشاركة 197 لاعباً ولاعبة وحضور آسيوي بارز    «البيضاء».. تنوّع بيولوجي يعزّز السياحة    الشؤون الإسلامية تختتم الدورة التأصيلية الأولى في سريلانكا    تتويج الأخدود ببطولة المملكة تحت 15 عاماً "الدرجة الأولى"    قصائد فيصل بن تركي المغناة تتصدر الأكثر مشاهدة    نجوم الرياض وهوكي جدة يتوجان في بطولتي الهوكي للنساء والرجال بالمنطقة الغربية    مشائخ وأعيان وأهالي «الجرابية الكنانية» يهنئون أمير جازان ونائبه بالثقة الملكية    رئيس جمعية «مرفأ» الصفحي يهنئ أمير جازان ونائبه على الثقة الملكية    تعليم الطائف يستعرض خطة التحول في منظومة إدارات التعليم مع أكثر من 1700 مدرسة    بوتين: هدفنا من حرب أوكرانيا هو السلام    اعتدال: أكثر من 1.2 مليون رابطٍ للتحايل على آليات رصد المحتوى المتطرّف    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحكم السعودي الفريد والبيعة الشرعية
نشر في الجزيرة يوم 30 - 01 - 2015

من النعم العظيمة على بلادنا المباركة المملكة العربية السعودية التي ليس لها نظير في دول العالم أجمع نعمة الاستقرار السياسي منذ أن قامت على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل -رحمه الله- إلى وقتنا الحاضر عندما فجعنا بوفاة فقيدنا الغالي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- كيف انتقل الحكم -متزامنا مع وقت إعلان الوفاة- بسلاسة وهدوء وطمأنينة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، بينما نرى في بعض البلدان القريبة والبعيدة ما يحصل فيها من الفتن والقلاقل نتيجة فراغ الحكم أو التقاتل على السلطة، ولا شك ولاريب أن هذه النعمة من توفيق الله تعالى لولاة الأمر عندما حكموا الشريعة ونصروا التوحيد والسنة وأقاموا شعائر الدين بين المواطنين والمقيمين, فالجزاء من جنس العمل فقد قال الله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}.
وقال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}. وعندما بايع المسلمون خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ملكاً للبلاد على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أحببت التنبيه إلى بعض الوقفات حول البيعة الشرعية:
الوقفة الأولى: البيعة فِي اللغة: المعاهدة والمعاقدة، قَالَ ابن مَنْظُورٍ فِي لِسَان العَرَبِ: (وبايعه عليه مبايعة عاهده وبايعته من البيع والبيعة جميعاً والتبايع مثله، وفي الحديث أنه قَالَ: (ألا تبايعوني عَلَى الإسْلام) هو عبارة عن المعاقدة والمعاهدة كأن كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه، وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره).
والبيعة فِي الشرع:
المعاقدة والمعاهدة عَلَى العمل بكتاب الله وسنةرسوله صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم.
والبيعة الواجبة لولي الأمر هِيَ: العهد عَلَى السمع والطاعة بِالْمَعْرُوفِ.
قال ابن خلدون فِي مقدمته: (أعلم أن البيعة هي العهد على الطاعة، كأن المبايع يعاهد أميره على أنه يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين، لا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره. وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيداً للعهد، فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري، فسمي بيعة، مصدر باع، وصارت البيعة مصافحة بالأيدي. هذا مدلولها في عرف اللغة ومعهود الشرع).
الوقفة الثانية: البيعة الشرعية من الواجبات المتحتمات للحاكم على المحكوم وهي متعينة في عنق كل مسلم ومسلمة فبها تنتظم مصالح العباد والبلاد ويحصل الأمن والاستقرار والاجتماع بين أفراد المجتمع.
فعَنْ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: «دعانا رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم-، فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا: أنْ بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله» قَالَ: (إلا أن تَرَوا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وعن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم» متفق عليه، وجاء عن عمر رضي الله عنه قوله: «لا دين إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمامة ولا إمامة إلا بسمع وطاعة».
وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: «لا بد للناس من أمير ؛ بَرٍّ، أو فاجر، يعمل فيه المؤمن، ويستمتع فيه الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل» رواه البيهقي في السنن الكبرى وسنده حسن.
وقال الحسن البصري -رحمَهُ اللهُ-: «والله لا يستقيم الدين إلا بهم وإن جاروا وظلموا، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم والله لغبطة، وأنَّ فرقتهم لكفر».
وقال شيخ الإسلام -رحمَهُ اللهُ «يجب أن يعرف أن ولاية أمور الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها». ولهذا كان تنصيب الإمام فريضة في الإسلام لما يترتب عليه من المصالح العظيمة، فإن الناس لا يصلحون بدون إمام يقودهم وينظر في مصالحهم ويدفع المضار عنهم، كما قال الشاعر:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
ولهذا لما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم بادر الصحابة بتنصيب إمام لهم قبل أن ينشغلوا بدفن الرسول صلى الله عليه وسلم لعلمهم بضرورة هذا الأمر وأنه لا يصلح وقت ولو يسير إلا وقد تنصب الإمام للمسلمين.
الوقفة الثالثة: لزوم البيعة والتحذير من خلعها فإذَا بايع أهل الحل والعقد السلطان أَوْ الملك المسلم أَوْ تغلب عَلَى بلد مِنْ البلاد وجب عَلَى مِنْ يستوطن تِلْكَ البلاد البيعة لولي الأمر، وأن يعقدها بقلبه، وأن يقوم بحقها، وأن يحفظ عهد الله وميثاقه.
وبيعة أَهْل الحل والعقد لازمة عَلَيْهِمْ، وملزمة لمن يقع تحت سلطان ولي الأمر كما عليه أهل السنة والجماعة، وَقَدْ قال النبي -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم-: (من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فإِذَا لزمت البيعة فِي عنق المسلم فإنَّ هَذَا يعني أنَّهُ عَاقَدَ وعَاهَدَ ولِيَّ الأمر عَلَى أنْ يحفظ حَقَّهُ، فَعَلَيْهِ أنْ يُوفِي بعهده وميثاقه، وأن يَحْذَرَ مِنْ الخيانة ونقض العهد والميثاق.
قالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ}، وقَالَ -عزَّ وجَلَّ-: {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} وعن أبي سَعِيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- قَالَ: (لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وعن نافع قال: ((لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية، جمع ابن عمر حشمه وولده، فقال: إني سمعت النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- يقول: (يُنصب لكل غادرٍ لواءٌ يوم القيامة) وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني لا أعلم غدراً أعظم من أن يُبايع رجلٌ على بيع الله ورسوله ثم يُنصب له القتال، وإني لا أعلم أحداً منكم خلعه ولا بايع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه)) رواه البخاري.
وقال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: (لا يجوز لأحد أن يشق العصى أو أن يخرج عن بيعة ولاة الأمور أو يدعو إلى ذلك فإن هذا من أعظم المنكرات ومن أعظم أسباب الفتنة والشحناء، والذي يدعو إلى ذلك هَذَا، هَذَا هو دين الخوارج إذا شاقق يقتل لأنه يفرق الجماعة ويشق العصى فالواجب الحذر من هذا غاية الحذر، والواجب على ولاة الأمور إن عرفوا من يدعو إلى هذا أن يأخذوا على يديه بالقوة حتى لا تقع الفتنة بين الْمُسْلِمِيْنَ).
الوقفة الرابعة: الحضور للمبايعة لا يلزم الجميع بل يكفي أهل الحل والعقد, قال المازري كما جاء في فتح الباري: (يكْفِي فِي بَيْعَةِ الإِمَامِ أَنْ يَقَع مِنْ أَهْل الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَلا يَجِب الاسْتِيعَاب، وَلا يَلْزَم كُلّ أَحَدٍ أَنْ يَحْضُرَ عِنْدَهُ وَيَضَع يَدَهُ فِي يَدِهِ، بَلْ يَكْفِي اِلْتِزَامُ طَاعَتِهِ وَالانْقِيَادُ لَهُ بِأَنْ لا يُخَالِفَهُ وَلا يَشُقَّ الْعَصَا عَلَيْهِ).
وقال النووي رحمه الله: «أَمَّا الْبَيْعَة: فَقَدْ اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ لا يُشْتَرَط لِصِحَّتِهَا مُبَايَعَة كُلّ النَّاس، وَلا كُلّ أَهْل الْحَلّ وَالْعِقْد، وَإِنَّمَا يُشْتَرَط مُبَايَعَة مَنْ تَيَسَّرَ إِجْمَاعهمْ مِنْ الْعُلَمَاء وَالرُّؤَسَاء وَوُجُوه النَّاس وَلا يَجِب عَلَى كُلّ وَاحِد أَنْ يَأْتِيَ إِلَى الأَمَام فَيَضَع يَده فِي يَده وَيُبَايِعهُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمهُ الانْقِيَادُ لَهُ، وَأَلا يُظْهِر خِلافًا، وَلا يَشُقّ الْعَصَا»اه.
وقال العلامة محمد العثيمين رحمه الله: ((البيعة تثبت للإمام إذا بايعه أهل الحل والعقد، ولا يمكن أن نقول: إن البيعة حق لكل فرد من أفراد الأمة، والدليل على هذا: أن الصحابة رضي الله عنهم بايعوا الخليفة الأول أبا بكر رضي الله عنه ولم يكن ذلك من كل فرد من أفراد الأمة، بل من أهل الحل والعقد، فإذا بايع أهل الحل والعقد لرجل وجعلوه إماماً عليهم صار إماماً، وصار من خرج عن هذه البيعة يجب عليه أن يعود إلى البيعة حتى لا يموت ميتة جاهلية)).
الوقفة الخامسة: أن البيعة الشرعية لا تنحصر في الإمام الواحد على جميع الأمة، بل إذا تعدد الأئمة على بلدان إسلامية مختلفة كما هو الواقع الآن, فإن لكل واحد منهم بيعة مستقلة، قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-: «الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد -أو بلدان- له حكم الإمام في جميع الأشياء ولولا هذا ما استقامت الدنيا, لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا ما اجتمعوا على إمام واحد ولا يعرفون أحداً من العلماء ذكر أن شيئاً من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم»اه.
وقال الشوكاني رحمه الله: (لا بأس بتعدد الأئمة والسلاطين ويجب الطاعة لكل واحد منهم بعد البيعة له على أهل القطر الذي ينفذ فيه أوامره ونواهيه وكذلك صاحب القطر الآخر).
وقال العلامة محمد العثيمين رحمه الله: ((ومن القواعد العامة في الشريعة الإسلامية أن الله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، فإذا لم يوجد خليفةٌ للمسلمين عموماً فمن كان ولي أمر في منطقة فهو ولي أمرها)).
الوقفة السادسة: مقتضى البيعة ولازمها القيام بحقوق ولي الأمر والتي من أهمها:
أولاً: السمع والطاعة لولي الأمر بِالْمَعْرُوفِ: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} الآية.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة). متفق عليه من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (تسمع وتُطيع للأمير، وإن ضُرِبَ ظهرُك وأُخذ مالُك، فاسمع وأطع) رواه مسلم في صحيحه من حديث حذيفة -رضي الله عنه-.
وعن سلمة بن يزيد الجعفي -رضي الله عنه- أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألون حقهم، ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله الثالثة، فجذبه الأشعث بن قيسٍ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتم) رواه مسلم في صحيحه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمَهُ اللهُ-: «وأما أهل العلم والدين والفضل فلا يرخصون لأحد فيما نهى الله عنه؛ من معصية ولاة الأمور، وغشهم، والخروج عليهم بوجه من الوجوه، كما قد عرف من عادات أهل السنة والدين قديماً وحديثاً، ومن سيرة غيرهم».
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب -رحمَهُ اللهُ- في رسالة الأصول الستة (الأصل الثالث: إن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمر علينا ولو كان عبداً حبشياً، فبين الله هذا بياناً شائعاً كافياً بوجوه من أنواع البيان شرعاً وقدراً، ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدعي العلم فكيف العمل به).
ثانياً: من حقوق ولي الأمر الدعاء لَهُ: قال الإمام البربهاري -رحمَهُ اللهُ-: «إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة -إنْ شَاءَ اللهُ-».
ويقول الفضيل بن عياض رحمه الله: لو كان لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان. قيل له: يا أبا علي فسِّرْ لنا هذا. قال: إذا جعلتها في نفسي لم تعدني وإذا جعلتها في السلطان صلح فصلح بصلاحه العباد والبلاد فأمرنا أن ندعو لهم بالصلاح، ولم نؤمر أن ندعو عليهم وإن جاروا وظلموا، لأن جورهم وظلمهم على أنفسهم، وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين.
وقال الطحاوي في عقيدته: (ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة).
وقال الإمام ابن باز رحمه الله: (من مقتضى البيعة النصح لولي الأمر، ومن النصح: الدعاء له بالتوفيق والهداية وصلاح النية والعمل وصلاح البطانة؛ لأن من أسباب صلاح الوالي ومن أسباب توفيق الله له: أن يكون له وزير صدق يعينه على الخير، ويذكره إذا نسي، ويعينه إذا ذكر، هذه من أسباب توفيق الله له).
وعندما سئل عمن يمتنع الدعاء لولي الأمر قال رحمه الله: (هذا من جهله، وعدم بصيرته؛ لأن الدعاء لولي الأمر من أعظم القربات، ومن أفضل الطاعات؛ فالمؤمن يدعو للناس بالخير، والسلطان أولى من يدعى له؛ لأن صلاحه صلاح للأمة).
ثالثاً: من حقوق ولاة الأمر التعاون معهم على البر والتقوى والصَّلاة خلفهم والحج والجهاد معهم، قال الإمام البربهاري -رحمَهُ اللهُ- :(ومن قال: الصلاة خلف كل برٍّ وفاجر، والجهاد مع كل خليفة، ولم ير الخروج على السلطان بالسيف، ودعا لهم بالصلاح فقد خرج من قول الخوارج أوله وآخره).
رابعاً: من حقوق ولاة الأمر النصيحة لهم، لما روى تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ ثَلَاثًا قُلْنَا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ..
قال الحافظ ابن رجب :(وَأَمَّا النَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَحُبُّ صَلَاحِهِمْ وَرُشْدِهِمْ وَعَدْلِهِمْ، وَحُبُّ اجْتِمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَيْهِمْ، وَكَرَاهَةُ افْتِرَاقِ الْأُمَّةِ عَلَيْهِمْ، وَالتَّدَيُّنُ بِطَاعَتِهِمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْبُغْضُ لِمَنْ رَأَى الْخُرُوجَ عَلَيْهِمْ، وَحُبُّ إِعْزَازِهِمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ). والطريقة الشرعية في مناصحتهم وتذكيرهم تكون سراً بلا تشهير لما روى عياض بن غنم -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، وليأخذ بيده، فإن سمع منه فذاك، وإلا كان أدى الذي عليه» رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح، قال الإمام ابن باز رحمه الله: (ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة، وذكر ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير).
د. عمر العمر - عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.