أمريكا: هيكل حكم جديد بغزة بديل أفضل من عملية إسرائيلية كبيرة في رفح    خوسيلو يتحول من لاعب مهمش إلى بطل سانتياغو برنابيو في دوري أبطال أوروبا    مستشار أمير منطقة مكة يرأس الأجتماع الدوري لمحافظي المنطقة    تحت رعاية أمير تبوك يطلق شارة البدء لِ رالي تبوك تويوتا ٢٠٢٤    الأمير محمد بن ناصر يكرم 20 متميزًا ومتميزة من تعليم جازان في مبادرة "منافس"2023م    وزير الشؤون الإسلامية يدشّن مبادرات "الفرص التطوعية" في جازان    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تطلق بوابة القبول الإلكترونية للعام الجامعي القادم    دله البركة توقع عقد إنشاء شركة مع يوروبا بارك لتنمية قطاع الترفيه في المملكة    وزير الخارجية يبحث مع رئيس الوزراء الفلسطيني تطورات غزة ورفح    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة الأمير سلطان بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود    إغلاق مطار دكار بعد إصابة 11 شخصاً في انحراف طائرة عن المدرج    "إعادة" تُسجّل أداءً قوياً في الربع الأول من 2024 بارتفاع الأرباح إلى 31.8 مليون ريال بزيادة 184%    جوازات مطار المدينة المنورة تستقبل أولى رحلات ضيوف الرحمن القادمين من تركيا لأداء مناسك حج 1445ه    حرس الحدود: القبض على 3 مخالفين بجازان لتهريبهم 100 كيلوجرام من نبات القات المخدر    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من تركيا متجهة إلى المملكة    رئيس الوزراء: سلوفينيا ستعترف بالدولة الفلسطينية بحلول منتصف يونيو    أوليفر كان يعرب عن تعاطفه مع نوير    الجمعية السعودية لطب الأسرة تطلق ندوة "نحو حج صحي وآمن"    لجنة الصداقة البرلمانية السعودية العراقية بمجلس الشورى تجتمع مع سفيرة العراق لدى المملكة    السفير العبدان يسلم أوراق اعتماده لرئيس المجر    تحت رعاية خادم الحرمين .. المملكة تعرض فرصاً استثمارية خلال مؤتمر مستقبل الطيران    مجلس الحرب يناقشها اليوم.. تعليق واشنطن شحنة الأسلحة يثير غضب إسرائيل    أمير الرياض يستقبل رؤساء المراكز ومديري القطاعات الحكومية بمحافظة المجمعة    نائب أمير عسير يتوّج فريق الدفاع المدني بكأس بطولة أجاوييد 2    النفط يرتفع مع سحب المخزونات الأمريكية وارتفاع واردات الصين    الزلفي تحتفي بعام الإبل بفعاليات منوعة وورش عمل وعروض ضوئية    جمعية البر بالشرقية توقع اتفاقية لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر    مفتي عام المملكة يستقبل نائب الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي    أمير الحدود الشمالية يتسلّم تقريرًا عن الصناديق العائلية والوقفية بالمنطقة    فيصل بن خالد بن سلطان يطلع على مشروع ربط حي المساعدية بحي الناصرية بمدينة عرعر    عقود ب3.5 مليار لتأهيل وتشغيل محطات معالجة بالشرقية    «تقييم» تبدأ بتصحيح أوضاع القائمين بتقدير أضرار المركبات في عددٍ من المناطق والمحافظات    المملكة تدين الاعتداء السافر من قبل مستوطنين إسرائيليين على مقر وكالة (الأونروا) في القدس المحتلة    حساب المواطن يودع 3.4 مليار ريال مخصص دعم مايو    توقع بهطول أمطار رعدية    إطلاق مبادرة SPT الاستثنائية لتكريم رواد صناعة الأفلام تحت خط الإنتاج    طرح تذاكر مباراة النصر والهلال في "الديريي"    "واتساب" يجرب ميزة جديدة للتحكم بالصور والفيديو    جدة التاريخية.. «الأنسنة» بجودة حياة وعُمران اقتصاد    عبدالله بن سعد ل «عكاظ»: الزعيم سيحصد «الدوري والكأس»    دجاجة مدللة تعيش في منزل فخم وتملك حساباً في «فيسبوك» !    الاتحاد يتحدى الهلال في نهائي كأس النخبة لكرة الطائرة    أشباح الروح    بحّارٌ مستكشف    منها الطبيب والإعلامي والمعلم .. وظائف تحميك من الخرف !    النوم.. علاج مناسب للاضطراب العاطفي    احذر.. الغضب يضيق الأوعية ويدمر القلب    القيادة تعزي رئيس البرازيل    " الحمض" يكشف جريمة قتل بعد 6 عقود    يسرق من حساب خطيبته لشراء خاتم الزفاف    الوعي وتقدير الجار كفيلان بتجنب المشاكل.. مواقف السيارات.. أزمات متجددة داخل الأحياء    روح المدينة    خلال المعرض الدولي للاختراعات في جنيف.. الطالب عبدالعزيزالحربي يحصد ذهبية تبريد بطاريات الليثيوم    فهيم يحتفل بزواج عبدالله    سعود بن جلوي يرعى حفل تخريج 470 من طلبة البكالوريوس والماجستير من كلية جدة العالمية الأهلية    لقاح لفيروسات" كورونا" غير المكتشفة    الاتصال بالوزير أسهل من المدير !    استقبل مواطنين ومسؤولين.. أمير تبوك ينوه بدور المستشفيات العسكرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسلم والجمال
نشر في الوطن يوم 20 - 01 - 2023

من الناس من يحسب أن هناك خصومة بين الإسلام وبين الجمال، تدعو المسلمين إلى التجهم في النظرة إلى الحياة، وإدارة الظهر إلى ما في الكون من آيات البهجة والزينة والجمال.. يحسبون ذلك، فيقولونه، أو يعبرون عنه بالسلوك المتجهم إزاء آيات الجمال والفنون والإبداعات الجمالية في هذه الحياة.
.. ولو كان هذا المسلك الخشن والغليظ والمتجهم، أثرًا من آثار المحن التي يمتحن بها المسلمون في مرحلة الاستضعاف التي يعيشونها، ورد فعل للتحديات المعادية التي تفرض الهم والحزن على الوجدان الإسلامي المرهف، أو مظهر الغضبة لحرمات الله المنتهكة، لكان ذلك مبررًا ومفهومًا لكن أن يكون هذا التجهم، في نظر هذا الفريق من الإسلاميين، هو مما يقتضيه المنهج الإسلامى في الحياة، فذلك هو الذي يدعو إلى استجلاء منطوق ومفهوم المنهج الإسلامي إزاء جماليات الحياة. وجدير بالتنبيه أن هؤلاء الذين يحسبون قيام علاقة التلازم بين التجهم ومخاصمة الأحاسيس الجمالية وبين منهج الإسلام، منهم الإسلاميون،
الذين يحسبون - مخلصين - أن هذا هو الموقف الحق للإسلام الصحيح في هذا الموضوع، ومنهم الخصوم الذين يتخذون من مسلك الغلظة لبعض الإسلاميين تجاه جماليات الحياة سبيلا للطعن على الإسلام.. فالقضية، إذن، أكبر من أن تكون خيارًا خشنا البعض من الإسلاميين هم أحرار في سلوكه، وإنما هي قد غدت واحدة من المطاعن التي يحاول نفر من خصوم المنهج الإسلامى استخدامها - ضمن مطاعن أخرى - لتشويه صورة منهج الإسلام في الفكر والحياة.. الأمر الذى يكسب الحديث عن هذه القضية أهميته، ويجعل له مكانه الطبيعي في سياق الحديث عن معالم منهج الإسلام.
وبادئ ذي بدء، فإذا كانت «الحضارة» هي جماع إبداع الأمة في عالمي «الفكر» و «الأشياء»، أي في «الثقافة» التى تهذب الإنسان وترتقي به، وفي «التمدن» الذى يجسد ثمرات الفكر - في التطبيق - والتقنية - أشياء يستمتع بها الإنسان المتحضر.. إذا كانت هذه هي» الحضارة»، فإنها - كإبداع بشرى - في المنظور الإسلامى وفي التجربة الإسلامية، وثيقة الصلة بدين الإسلام، كوضع إلهى، نزل به الوحي على قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
ففي التجربة الحضارية الإسلامية، كان «الدين» هو الطاقة التي أثمرت، ضمن ثمراتها، توحيد الأمة، وقيام الدولة، والإبداع في كل ميادين العلوم والفنون والآداب، شرعية وعقلية وتجريبية، كما كان الدافع للتفتح على المواريث القديمة والحديث للحضارات الأخرى.
وإحيائها، وغربلتها، وعرضها على معايير الإسلام، واستلهام المتسبق منها مع هذه المعايير، لتصبح جزءا من نسيج هذه الحضارة الإسلامية والتي وإن كانت إبداعًا بشريًا، إلا أنها قد اصطبغت بصبغة الإسلام الدين، كما كانت ثمرة للطاقة التى مثلها وأحداثها عندما تجسد في واقع المسلمين العام تلك هي العروة الوثقى بين دين الإسلام وبين حضارته، بما فيها من إبداع شمل مختلف الميادين.. الشرعية... والعقلية، والجمالية. بل إننا لو تأملنا في مكان «الهجرة» في دعوة الإسلام ودولته وأمته لرأيناها أكثر وأكبر من إنجاز لإنقاذ الدعوة من حصار الشرك المكي. لأن الهجرة في حياة هذه الدعوة لم تقف عند الهجرة من مكة إلى المدينة - ومن قبلها الحبشة - وإنما كانت، أيضًا، هجرة من البداوة إلى «الحضارة»، من «البادية» إلى «الحاضرة»، من حياة الأعراب التي تغلب عليها الغلظة ويسود فيها الجفاء، إلى حياة العرب الذين استقروا في «القرى»، فغدًا بإمكانهم أن يقيموا حضارة في هذه القرى. كانت إنجازا حضاريا، ينتقل بالجماعة البشرية من طور ترحال البداوة الذي يستحيل معه قيام التراكم في الإبداع - الثقافي والتمدنى - إلى طور الاستقرار والحضور في «القرى» الحاضرة، الأمر الذي يتيح لإبداعات الإنسان أن «تتراكم»، فتعلو بناء حضاريًا مناسبًا للجهد الإبداعي المبذول فيه. تلك هي المكانة الحضارية، للهجرة في حياة دعوة الإسلام، في عصر صدر الإسلام.. وتلك هي بدايات خيوط العروة الوثقى بين الإسلام الدين- الوضع الإلهي - وبين الحضارة الإسلامية - الإبداع الإسلامي لأمة الإسلام.
وفي ضوء هذه «الحقيقة الحضارية»، نفهم اصطفاء الله، سبحانه وتعالى، «مكة»، أم القرى - وحاضرة الحواضر - مهبطًا للوحى بالدين الجديد.. ونفهم مغزى كون «يثرب» - المدينة وهي ثانية القرى والحواضر - هى دار الهجرة وعاصمة الدولة ومنارة الدعوة.. بل ونفهم سر استمساك القرى والحواضر الثلاث - المدينة ومكة والطائف - بالإسلام، يوم ارتدت عنه، أو عن وحدة دولته، البوادى بمن فيها من الإعراب، عندما زلزلت وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قلوب هؤلاء البدو والأعراب ؟!.. نفهم جميع ذلك في ضوء العلاقة العضوية بين هذا الدين وبين الإبداع الحضارى للإنسان الذي تَدين بهذا الدين بل ونفهم أن هذه العلاقة بين «الدين» وبين «الحاضرة»، ومن ثم، «الحضارة»، ليست خصيصة إسلامية، وإنما هي سنة من سنن الله في كل الشرائع والرسالات.. فكما اصطفي الله حاضرة مكة، لتبدأ منها الدعوة قائلا لرسوله: (.. ولتنذر أم القرى ومن حولها).. أنبأنا في قرآنه الكريم، أن هذا الاصطفاء إنما كان اطرادًا لسنة إلهية.. (وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون).. فأم القرى، وحاضرة الحواضر كانت دائمًا هي موطن الرسل والرسالات، وذلك للعلاقة العضوية بين «الدين» و «الحضارة»، على امتداد تاريخ الإنسان.
ولأن هذا هو دور «الهجرة» في دعوة الإسلام وأمته ودولته، ولأن هذه هى وظيفتها الحضارية - الانتقال بالإنسان - الإعرابي - من غلظة البادية وتجهم خشونتها - إلى مدنية الحاضرة وتثقف - تهذب - عقول أبنائها - لأن هذا هو دورها، وهذه هى وظيفتها الحضارية، كان المسلمون يستعظمون ويستنكرون رجوع المهاجر عن «المدينة، وانقلابه إلى «البادية» مرة أخرى حتى لقد سموا هذا الانقلاب «ردة».. وقرأنا في مصادر السنة ذلك السؤال الاستنكارى الذى سأله أحد الولاة لمن عاد فتعرب - رجع أعرابيًا بعد هجرته -: «أرتددت على عقبيك، تعربت ؟!». تلك هي بدايات الخيوط بين الإسلام الدين وبين الحضارة.. وهي بدايات لا ترشحه كى يوحى بالتجهم إزاءها، ولا بمخاصمة إبداعاتها الجمالية بحال من الأحوال !.
ثم... إن «الجمال»، الذي يظن بعض من الناس مخاصمة الإسلام إياه، هو إذا نحن تأملناه - بعض من آيات الله، سبحانه وتعالى، التي أبداعها في هذا الكون، وأودعها فيه.. إنه بعض من صنع الله وإبداعه سبحانه، سواه وسخّره للإنسان، طالبًا من الإنسان أن ينظر فيه ويستجلى أسراره، ويستقبل تأثيراته، ويستمتع بمتاعه ويعتبر بعبرته (وهو) الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرًا نخرج منه حبًا متراكبًا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه، انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه، إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون ).. إنها آيات خلق الله، يأمر الإنسان أن ينظر فيها.
وأينما يمم الإنسان بصره أو بصيرته أو عقله أو قلبه، فإنه واجد آيات الله التي خلقها» زينة» للوجود، ودعاه إلى النظر فيها.
1990*
* كاتب وباحث أكايمي مصري «1931 - 2020»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.