في صباح السابع من يناير 1997، كانت لوتي ويليامس تتنزه في إحدى حدائق مدينة تلسا في ولاية أوكلاهوما الأميركية، عندما لمحتْ وميضا في السماء، بدا لها كأنه شهاب صغير، وبعدها بلحظات سقط على كتفها جسم معدني غريب يشبه الخردة، لكنها لم تتضرر منه، وبفحص الجسم المعدني تبين أنه قطعة من خزان «تانكي» الوقود للمكوك الفضائي «دلتا 2» الذي أطلق قبل سنة، وقد تسلمت لوتي رسالة اعتذار من نائب وزير الدفاع آنذاك عن السقوط الفضائي غير المقصود!. وفي 2001 سقطت قطعة أخرى من ذات المكوك تزن أكثر من 70 كجم في منطقة خالية شمال مدينة الرياض ب240 كلم. لم نكتفِ نحن البشر بتلويث كوكبنا، وإنما نقلنا تلوثنا معنا إلى الفضاء، وهكذا هم البشر حيثما حلوا حل التلوث بالمكان، في الفضاء، هناك ما يربو على 2500 قمر صناعي، تدور على ارتفاعات مختلفة (تتراوح بين 240 إلى 36000 كلم من الأرض)، ولا ضير في ذلك، ولكن مع تزايد عددها، بدأت تتزاحم وتتصادم وتتحطم، وهنا تكمن المشكلة، إن ما ينتج عن التحطم من مخلفات وشظايا، لن يُكب في سلة مهملات فضائية، وإنما سيبقى يدور حول الأرض مع الأقمار الصناعية، وبسرعات عالية جداً، فأصبح لدينا الآن ملايين القطع التي تدور حول الأرض منها «براغي» وصواميل وقطع معدنية وحطام التصادمات وبدلات فضائية، وكاميرا سقطت من أحد رواد الفضاء، وعلبة أدوات صيانة سقطت من رائد فضاء عندما كان يقوم بإصلاحات خارجية في محطة الفضاء الدولية. وما يزيد من المشكلة أن أي تصادم آخر فيما بينها سينتج قطعا أصغر، وبالتالي زيادة في عدد المخلفات. هذه المخلفات مهما كان حجمها أو وزنها تشكل تهديدا على الأقمار الصناعية، وذلك بسبب السرعة العالية لها التي تتجاوز 28 ألف كلم في الساعة، وبالتالي يمكن لصامولة لا يزيد طولها عن سنتيمتر واحد أن تحطم قمراً صناعياً تزيد قيمته عن 100 مليون دولار. تهديد هذه المخلفات يمكن أن يمتد إلى الأرض، عندما تعاود هذه القطع الدخول إلى الأرض، ويزداد الخطر أكثر عندما تتعرض المركبات الفضائية التي تعمل بالبطاريات النووية لحوادث، ليصبح الحطام عبارة عن نفايات مشعة، قد تسقط على الأرض، ففي عام 1978 تحطم القمر الصناعي الروسي كوزموس 954 فوق بحيرة العبيد الكبرى في الشمال الغربي من كندا، وتسبب في تلوث إشعاعي لمساحة شاسعة، بلغت 124 ألف كلم2، مما دفع السلطات الكندية والأميركية للقيام بعملية تنظيف واسعة (سميت بعملية ضوء الصباح)، كلفت ملايين الدولارات، تحملت روسيا نصفها، وبعد هذه الحادثة بخمس سنوات، انفصل المفاعل النووي لمركبة كوزموس 1402 عن جسم المركبة، وسقط في قعر المحيط الهندي، حاملا بداخله 50 كجم من اليورانيوم المخصب، قرر الروس بعد ذلك إيقاف استخدام الطاقة النووية في أقمارهم الصناعية. وقد أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية منشورا عن خطط للطوارئ والتأهب لدخول الأقمار الصناعية التي تعمل بالطاقة النووية للمجال الجوي، وذلك للتعامل مع مثل هذه الحالات. هناك محاولات للحد من الحطام الفضائي، ولحل مشكلة المخلفات الفضائية بشكل عام، ولتسهيل التعامل معها، فقد تم أولاً تقسيم هذه المخلفات حسب أطوالها، أقل من 10 سم، ويصعب تعقبها، وفوق 10 سم، وهي التي يحاول العلماء تعقبها، كما يتم العمل على إطلاق قمر صناعي «زبال» لجمع قمامة الفضاء، وما زالت الأبحاث قائمة لإيجاد مخرج ما، فما من مفر من تهديد هذه المخلفات على الأقمار الحالية والمهمات المستقبلية.