في عالم الذكاء الاصطناعي، تشتعل معركة خفية لا تقل ضراوة عن سباق التسلح التكنولوجي، وهي معركة خطف المواهب.. هذه الحرب الصامتة تدور رحاها في قلب وادي السيليكون، حيث يتصارع عمالقة التكنولوجيا لاستقطاب العقول اللامعة التي تملك مفاتيح المستقبل، وعلى سبيل المثال، وجدت شركة "أبل" الأميركية نفسها في مرمى النيران، إذ خسرت منذ بداية العام الجاري 12 من كبار موظفيها في قطاع الذكاء الاصطناعي، الذين انضموا إلى منافسيها أمثال "ميتا"، "أوبن إيه آي"، "إكس إيه آي"، و"كوهير"، وآخر الراحلين هو رومينغ بانغ، أحد أبرز قادة القطاع في "أبل"، والذي أغراه مارك زوكربيرغ براتب خيالي بلغ 200 مليون دولار لينتقل إلى "ميتا". ليست خسارة الموهوبين، مجرد أرقام فحسب، إذ إن أسماء مثل براندون ماكينزي، ديان آنغ ياب، ليوتونغ تشو، لم يكونوا مجرد موظفين، بل شكلوا العمود الفقري لأبحاث "أبل" في تطوير الذكاء الاصطناعي، وقد ساهموا في أوراق بحثية رائدة خلال العام الماضي، ومن المؤكد أنهم رحلوا تحت وطأة إغراءات مالية هائلة، تاركين فراغًا مؤلمًا في فريق "أبل" الصغير المكون من 60 شخصًا فقط، وكل رحيل يُشبه ضربة موجعة، تهز أسس مشروع الذكاء الاصطناعي وتُضعف الثقة في قدرة "أبل" على المنافسة. تنظر الشركات إلى المواهب باعتبارها "أصولًا استراتيجية" لا تقل قيمتها عن الملكية الفكرية أو حتى وحدات الأعمال بأكملها، لماذا؟ لأن عدد الخبراء الحقيقيين في تطوير النماذج الأساسية للذكاء الاصطناعي لا يتجاوز 2000 خبير فقط حول العالم، والحقيقة، أن الشركات العملاقة ليست هي التي تهيمن وحدها على هذه المواهب، فعروض شركات التكنولوجيا الكبرى لا تفوز بالضرورة في المعركة، حيث تستحوذ الشركات الناشئة، بمرونتها وقدرتها على التكيف السريع، على 47 % من أفضل العقول، متفوقة على الشركات الكبرى التي حصلت على 34 % فقط، حيث يعني صغر حجم الشركة لهؤلاء الموهوبين سرعة اتخاذ القرار، وهي ميزة ذهبية في قطاع يتغير بوتيرة مذهلة. لكن، التحدي الأكبر في تبني الذكاء الاصطناعي، يكمن في ندرة المهارات، ونقص الخبرات، مما يدفع المؤسسات إلى البحث عن حلول إبداعية، وعلى سبيل المثال، بدأت بعض المؤسسات المالية الرائدة، مثل بنك "جي بي مورغان تشيس"، بتدريب موظفيها الجدد على الذكاء الاصطناعي، بينما تسابق الجامعات الزمن لتقديم برامج تدريبية مكثفة، وحتى الاتحاد الأوروبي انضم إلى هذا السباق، مقدمًا برامج موجهة لإعداد جيل جديد من المختصين، وفي نهاية المطاف، لن يتحقق الانتصار في عصر الذكاء الاصطناعي لمن يملك أكبر الميزانيات، بل لمن يفكرون خارج الصندوق، وسيكون هذا التحول في العقلية مفتاحًا لإطلاق العنان لابتكارات لا مثيل لها في زمن الثورة الصناعية الرابعة. نقلا عن الرياض