كان أكثر ما يلفت في خبر تحقيق وزارة التعليم العالي مع جامعتي الدمام والمجمعة والملحقية الثقافية في الأردن بشأن التعاقد مع عضوي هيئة تدريس يحملان شهادات علمية مزورة، هو الطريقة التي تم بها اكتشافهما. والخبر لم يفصح عن ذلك، والمتحدث باسم وزارة التعليم العالي فضل الصمت. لكن مقتضى الخبر يؤشر إلى أن اكتشافهما لم يتم عن طريق مكان عملهما في الجامعتين، ولا عن طريق الملحقية الثقافية في الأردن التي صدَّقت على شهادتيهما، لأن اكتشافهما جاء متزامناً، على الرغم من أنهما يعملان في مكانين متباعدين، وفي جهتين إداريتين مختلفتين، والجامعتان والملحقية -بعد ذلك- موضوع اتهام وتحقيق.هذا يعني أن الأكاديميَّينِ المزوَّرَينِ استطاعا أن يخبِّئا حقيقتهما في ميدان العمل والاحتكاك المباشر مع الطلاب والإدارة والزملاء، وفي مناشط الجامعة المختلفة!!. ألم يكن عملهما يقتضي العلم بتخصص محدَّد ومهارة عملية فيه؟! لماذا لم ينكشف جهلهما من طلابهما أو من زملائهما أو من إدارة القسم والكلية؟! في هذه الحالة يسوغ لنا أن نرى في قَصْر الاتهام بالتزوير عليهما أقل من حقيقة أشد مرارة، وهي مرارة بأكثر من معنى: فقد نقول إن طلابنا يستريحون إلى من لا يتعبهم ويمنحهم النجاح والأمنيات الطيبة مجاناً! وإدارات الأقسام -من جهتها- ليست حفيَّة بامتياز علمي في كوادرها، أما إذا قلنا إن إدارات الأقسام تعجز عن إدراك هذا الامتياز والاستدلال عليه فلسنا نقول مالا دليل عليه من الحادثة نفسها!الأكاديميان المزوّران استطاعا أن يخبِّئا حقيقتهما، ولذلك فإن تزويرهما لشهادتيهما يجب ألا يكون موضوعاً أكثر أهمية وإثارة للقلق والأسى والتساؤل من تمكُّنهما لدينا من تخبئة تزويرهما، وانطلائه في بيئة جامعية وظيفتها التعليم والتأهيل ومنح الشهادات والمؤهلات التي تتيح فرص العمل أو تفتح للبحث والتأليف والاكتشاف المعرفي الفضاءات الخلاقة. لنَحْزَنْ على طلابنا الذين كان يمكن أن يتخرجوا بعلم مزوَّر ومعرفة مغشوشة، ولكن ليَكُن حزننا أشد على طلابنا الذين لم يثر جهل هذين الكذّابَيْن رفضهم لهما، وغيرتهم على وطنهم وشهاداتهم ومستقبلهم. لنغضب على موظف الملحقية الذي صدّق شهادة وهمية، ولكن ليكن غضبنا أشد على إدارة قسم جامعي لا تملك من التأهيل والتنظيم حداً أدنى يمكِّنها من اكتشاف من لا علاقة له باختصاص قسمها الذي تديره في مستوى الأستاذية. إن نظام التعاقد -فيما أعرف- يحوي مرونة عالية لرؤساء الأقسام، فرئيس القسم يستطيع السفر للتعاقد، ولا يطالَب بأية تبريرات موثّقة للتعاقد مع من يتعاقد معهم. وتُشكَّل لجان للتعاقد في بعض الجامعات على مستوى الجامعة، ولا تمثيل فيها للتخصصات كلها أو لأغلبها. وإذا كانت هذه هي أحوال التعاقد في أعرق وأكبر جامعاتنا، فإن طفرة الجامعات لدينا، أعني زيادة عددها في فترة قصيرة، أحدثت حاجة ماسة إلى التعاقد وبأعداد كبيرة. وكانت الشهادة غالباً هي مؤهل التعاقد، فلا اطلاع على رسالة الدكتوراة للمرشّح، ولا مقابلة للاستفهام منه ومناقشة حصيلته ومهاراته في التخصص. وما يجب أن يثير قلقنا تجاه هذه الحادثة هو توقُّع أمثالها.