الدمام – الشرق اتهام مقتدى باغتيال نجل الخوئي لم يؤثر على زعامته كوريث لوالده. التيار الصدري نموذج لحزب الله اللبناني ومقتدى يشبه حسن نصرالله. تظهر خلافاتٌ ما بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وبقية أطراف التحالف الوطني بين حين وآخر، وكان آخرها إقالة رئيس الوزراء نور ي المالكي لرئيس هيئة المساءلة والعدالة فلاح شنشل، أحد صقور التيار الصدري، ورئيس كتلة الأحرار التابعة له في الدورة البرلمانية السابقة، وقبل ذلك فُهم مِن رسالة الصدر إلى رئيس التحالف الوطني إبراهيم الجعفري ضرورة استبدال المالكي، فتراجع عن هذا القرار بعد تدخل «أبومهدي المهندس»، رجل إيران القوي في العملية السياسية، وزعيم كتائب حزب الله العراقية، وهي ميليشيا ملتحقة بالمخابرات الإيرانية «اطلاعات»، ويعد المهندس، رئيس مكتب العراق في مكتب الولي الفقيه، من عهد الخميني إلى عهد الخامنئي، المسؤول عن تفجير السفارتين الأمريكية والفرنسية في الكويت خلال الثمانينيات من القرن الماضي. قهرمان حكيم في كتابه «قهرمان حكيم» وجد آية الله هاشمي رفسنجاني، أهمية تطبيق الحكومة الإسلامية في أي بلد يحتاج إلى فهم الأمر ونقيضه، بمعنى توفير الإثنين معاً، والتحالف معهما في وقت واحد، ولأنَّ العقليَّة السياسيَّة الإيرانية انتهت إلى أهمية ممارسة الشعب لفرضية الانتخابات، ولكن بانتخاب مَن توافق عليه لجنة «تشخيص مصلحة النظام» ومِن بعدها لجنةُ الخُبَرَاء، وانتهاءً بمصادقة مجلس صيانة الدستور، من أجل مصادقة نهائيَّة للولي الفقيه، المرشد الأعلى للإسلام السياسي الشيعي. وكل هذه المراحل التي مرَّت، تحتاج وفقاً لنظرية الحكم التي تقارن الموقف الإسلامي مقارنةً واضحةً بنظريات الحكم المتعارف عليها، ومن ضمنها نظرية نيقولا ميكافيلِّي، في كتابه «الأمير» بأنَّ الغاية تبرِّرُ الوسيلة، فإنَّ تعدد مراكز صناعة القرار الإيراني، وارتباطها العضوي بمكتب الولي الفقيه، بتناقضات متنوعة، تُشرْعِنُ آلياتِ قيادة المجتمع الإسلامي وحكمه وفقاً لهذه النظرية في تطبيقات مؤسساتية، وأخرى دستورية، وثالثة مخابراتية غير واضحة المعالم. توالد الأحزاب وتوالدت التشكيلاتُ والتنظيماتُ من رحم قيادات دينيَّة شيعيَّة إيرانيَّة وعراقيَّة بارزة، من بينها المجلس الإسلامي الأعلى، الذي أسَّسَه رجل الدين الإيراني النافذ آية الله محمود الهاشمي شاهرودي، ومنظمة العمل الإسلامي التي أسَّسَها رجل الدين العراقي من أصول إيرانية آية الله محمد مدرسي، فضلاً عن مكوِّنَات مليشيات مسلحة قاتلت إلى جانب القوات الإيرانية ومخابراتها خلال الحرب العراقية – الإيرانية، كما هو حال كتائب حزب الله العراقي التي كانت تعرف ب «مجاهدي الدعوة»، وهو الخط الجهادي الذي ترأسه نوري المالكي بعد خروجه من إيران عام 1984 متوجِّهاً إلى دمشق، ونفَّذ هذا التشكيل عدَّةَ عمليات نوعيَّة خلال الحرب العراقية الإيرانية، من بينها أول عملية انتحارية بتفجير سيارة مفخَّخَة في مقر القوة الجوية العراقية عام 1981، وكتب إبراهيم الجعفري، رئيس الوزراء السابق، بيانَها السياسيَّ باسم المنسِّق العام لحزب الدعوة، كما نفَّذ عملية تفجير مقر الإذاعة والتليفزيون في منطقة الصالحية وسط بغداد، وكتب أيضاً الجعفري البيانَ السياسيَّ للعملية. عودة على بدء بعد بروز مرجعية محمد محمد الصدر، والد مقتدى، حاولت إيران إبراز الجهات العراقية التي تناصبُه العداء، لاسيَّما المجلس الإسلامي الأعلى، تحت عنوان «المشكلة على إرث زعامة مرجعيَّة النَّجَف ما بين أسرتي الحكيم التي ينتمي إليها آية الله محمد باقر الحكيم، وآية الله محمد الصدر»، لكنَّ قدرات الصدر «المجددة في أصول تعامل المرجعية الدينية، وتعديله لنظرية الحكومة الإسلامية» التي سبق وأن نشرها ابن عمه آية الله محمد باقر الصدر، مؤسِّسُ حزب الدعوة، الذي يُعرَف بالشهيد الأول، فيما استُشهِد الصدر الثاني في حادثة مازالت الشبهاتُ تحوم حول المخابرات الإيرانية بتنفيذها، أو قيام مخابرات صدام بتنفيذها. مشكلة وحل إيراني هذه المشكلة أورثت إيران بعد سقوط نظام صدام مشكلة اسمها التيار الصدري، فحاولت تشتيتَه، فخرج منه تيار الفضلاء بزعامة محمد اليعقوبي، وتياران آخران الأول بزعامة آية الله الناصري، والآخر بزعامة آية الله الطائي، والثلاثة من طلاب الشهيد الثاني والد مقتدى، فيما اتُّهم مقتدى نفسه باغتيال نجل المرجع الديني آية الله الخوئي في النَّجَف، لكن كل هذه الأمور لم تنعكس واقعاً على التفاف جماهيريٍّ غير مسبوق النظير حول زعامة مقتدى الصدر كوريث لوالده، ممَّا جعل بعض القوى الإيرانية تستمع لنصائح رجل الدين العراقي المقيم في قم الإيرانية، آية الله كاظم الحائري، بتوظيف هذه الزعامة لصالح الحكومة الإسلامية القائمة على نموذج الولي الفقيه، حيث كان الحائريُّ يعد نظريًّا الولي الفقيه في التقليد وفقاً للمذهب الجعفري في مناطق نفوذ التيار الصدري، لاسيَّمَا منطقة مدينة الصدر، «ثلاثة ملايين» نسمة شمالي بغداد. دور تنفيسي وبمتابعة دور مقتدى الصدر في الشراكة مع الأحزاب الشيعية في الحكم، يمكن ملاحظة أنَّه كان بمثابة نقطة التنفيس عن الكبت الاجتماعي الرافض في الوسط الشعبي، مقابلَ توظيفِه لإضعاف مَن يتجاوز على النفوذ الإيراني، مثال ذلك دوره في التحالف مع المجلس الأعلى في الانتخابات البرلمانية السابقة، على أساس التصويت على رقم القائمة الانتخابية وليس المرشَّحِين، على أساس نظام التصويت المزدوج، فأوصى جمهوره بالتصويت على مرشحيه فقط، ففاز 44 نائباً من قائمته، فيما لم يفز سوى 18 من مرشحي المجلس الأعلى ومنظمة بدر. نموذج من حسن نصرالله وهكذا فعل في محاكاة الأصوات المنادية بإقالة المالكي مرَّةً على طاولة اجتماع أربيل، وكان ممثِّلُوه متشددين في كسب مواقع إضافيَّة في حكومة الشراكة الوطنية، وبعد أزمة اجتماع أربيل الأول لمعارضي المالكي الذي ضم مقتدى الصدر وإياد علاوي ومسعود برزاني، رُشِّحَ قصي السهيل، نائب رئيس البرلمان والقيادي البارز في هذا التيار لرئاسة الحكومة بدلاً عن المالكي. ويخوض التيار الصدري العملية السياسية بعقلية أقرب إلى عقلية حسن نصرالله في لبنان، بعد أن اندمج الاثنان بتوصية إيرانية من علي لاريجاني، المسؤول عن الشخصين أمامَ خامنئي، لتدريب كوادره إمَّا في لبنان أو في إيران من قِبَل شخصيات لبنانية، أبرزهم شخصيات من مليشيات حزب الله حتى أنَّ كثيراً من صور مقتدى الصدر المنتشرة في شوارع وساحات بغداد تُظهرُه أقربَ إلى شخصية نصرالله. تعهدات الصدر الشعبية في متابعة لمواقف وتصريحات زعيم التيار الصدري نفسه أو أعضاء كتلته البرلمانية، يمكن ملاحظة أن التعهدات التي تبرز على شكل إجابات على استفتاءات من مريديه، سرعان ما تذهب أدراج الرياح، ولا تمثل غير ذلك المتنفس لتفريغ شحنات الغضب الشعبية بالضد من مشكلات سياسية أو حياتية سواء أكانت اقتصادية أم اجتماعية، وعلى سبيل المثال، اعتبر الصدر، صفقة السلاح مع روسيا والشكوك التي أثيرت حولها شبهات فساد بكونها «فئوية ليست وطنية، وأنها ضياع للمال العراقي»، داعياً البرلمان إلى التحقق في تلك الصفقات، فيما حذَّر من انهيار اقتصاد البلد بعد تدخلات رئاسة الوزراء بعمل البنك المركزي. وفي التعامل مع مطالب المتظاهرين، قال الصدر في أحد أجوبته على الاستفتاءات أنه «خادم لأهل الأنبار ويعمل من أجل تحقيق مطالبهم «لكن هذا الكلام سرعان ما تراجع عنه رافضاً المطالبة بإلغاء هيئة المساءلة والعدالة لاجتثاث البعثيين وعدم شمولهم بالترشيح للانتخابات العامة، لكن هذه المواقف المتناقضة استخدمت أيضاً من على منصة المؤتمرات الصحفية لنواب كتلته، واتهم عضو كتلة الأحرار التابعة للتيار الصدري النائب حسين الشريفي، الحكومة بتقصدها بعدم تنفيذ مطالب المتظاهرين المشروعة، لأنها تريد بقاء أزمة التظاهرات لتعيش على الأزمات. مؤكداً على أن « الحكومة ولدت مريضة وتتقصد افتعال الأزمات والعيش معها، مستدركاً بالقول» إن مطالب المتظاهرين المشروعة بسيطة في تنفيذها، ونحن في كتلة الأحرار نرفض إلغاء هيئة المساءلة والعدالة، وتطبيق هذا شيء خط أحمر».وموقف التيار الصدري من قانون التقاعد العام، انتهى إلى تقليل معدل التغيير لصالح بقاء الرواتب على حالها، مقابل رفع السقف الأدنى إلى 400 ألف دينار حوالى «360 دولاراً» مقابل رفض نواب تيار الصدر التازل عن معدلات رواتبهم العالية أسوة ببقية النواب من الكتل الأخرى، وكذلك معدلات رواتبهم التقاعدية التي تصل إلى 10 ملايين دينار أي أكثر من تسعة آلاف دولار وهو معدل رواتب الوزراء التقاعدية فيما تصل رواتب الرئاسات الثلاث إلى حوالى 25 مليون دينار أي أكثر من 20 ألف دولار. سيناريو مرسوم والدور المرسوم للصدر في العملية السياسية في العراق، يتوضح من خلال ممارساته المتكررة عبر معارضته لسياسة المالكي دون السير فيها إلى نهاياتها، ويتراجع عنها في اللحظة الحاسمة، وهذا الدور لا ولن يخرج عن السيناريو المرسوم لاستمرار النفوذ الإيراني في العراق، ولكلٍّ دورُه، فحزب الدعوة والمالكي يمسك بالسلطة، وفي المقابل يوجد مَن يعارضها في قضايا مطلبية من أجل خدمات الشعب، وهذا هو منهج التيار الصدري ودوره، ويتكرَّرُ ذلك في خطاب وأحاديث أئمة المساجد التابعين له في كل يوم جمعة، في حين لا يخرج الاثنان عن عباءة الولي الفقيه، لكنَّ لكل منهما أسلوبَه ليس أكثر. مؤيدو الصدر أثناء أدائهم الصلاة قرب بغداد (أف ب)