كشف المؤرخ والأديب محمد بن ماجد بن غنام ل»الشرق» بأن حَرة البقوم، شرق محافظة تربة، تزخر بالمعالم الأثرية القديمة التي يعود تأسيسها وبناؤها إلى زمن قديم موغل في تاريخ الجزيرة العربية، وبعضها يعود إلى ما قبل البعثة، مثل الطرق المرصوفة بالحجارة، وأهمها طريق الفيل (طريق الحج الجنوبي)، وبعضها ينسب إلى قبيلة بني هلال، مثل الآبار، وبعض مجاري المياه، والدوائر الحجرية، وأحواش الخيل، والقلاع والحصون التي اتخذتها القبائل ملاذاً آمناً قبل توحيد المملكة بفترة طويلة، مشيراً إلى أن عدداً من الباحثين والمهتمين بتاريخ المنطقة قام بزيارة تلك المواقع، إلا أنها ما زالت بحاجة ماسة لدراسة جميع ما تحتضنه من كنوز، وتوثيقها من قبل الجهات ذات العلاقة، حتى يتم رصد التاريخ الحقيقي لتلك الآثار. «الشرق»، إيماناً منها بأهمية لفت انتباه المسؤولين إلى تلك الآثار التي تحكي تراثاً عريقاً تركه الآباء والأجداد شاهداً على حضارتهم عبر العصور الماضية؛ قامت بجولة بصحبة عدد من المهتمين بالآثار على تلك المواقع التي من أهمها: طريق الفيل (طريق الحج الجنوبي) أوضح بن غنام بأنه من أقدم الطرق، الذي يربط جنوب الجزيرة العربية بالحجاز، وقد رصفت معظم عقبات الطريق بالحجارة، حيث سلكه أبرهة الأشرم عندما أراد هدم الكعبة المشرفة، وما زالت آثار هذا الطريق ماثلة، ومنها بعض الكتابة والنقوش على الصخور، وبعض مقاطع الطريق المرصوفة على هيئتها الأولى، من حيث السعة. ومع مرور الزمن حَوّل حجاج جنوب الجزيرة العربية اسم الطريق من طريق الفيل إلى طريق الحج الجنوبي، ولقي هذا الطريق على طول امتداده من اليمن حتى مكةالمكرمة اهتمامَ العالم (الحسن بن أحمد الهمداني، فعدَّد مراحله، ووصف محطاته، وقاس مسافته عن معرفةٍ مباشرة، وذلك في كتابه «صفة جزيرة العرب»، الصفحة 433، كما توجد طرق مهمة عديدة تقطع الحرة، مثل طريق رنية تربة، وطريق وادي الدواسرمكةالمكرمة).
الآبار ويوجد فيها عدد من الآبار الجاهلية المطوية والمرصوفة بصخور الحرة، التي اهتم بنّاؤوها بالقوة والإتقان دون الجمال، وما زال البدو الرحل والأهالي يستخدمونها كمصدر لشرب مواشيهم في وقتنا الحاضر.
الحصون والقلاع وتوجد في حرة البقوم حصون وقلاع أثرية عديدة، شيدت بالطين والحجر في الأماكن المرتفعة، بسبب عدم توافر الأمن في تلك العصور، حيث شيدت في أعلى نقاط الحرة، ومنها ما بني على طابق، وما بني على دورين، وسقفت بجذوع وسعف النخيل، ووضعت في أعلاها فتحات استخدمت لمراقبة الغزاة وتحركات العدو، أي أن الحصون كان يُستخدم دورها السفلي للسكن، والدور العلوي للقيادة والمراقبة من قبل رجال يُعرفون بحدة البصر، وسرعة البديهة، وحسن التصرف، لحماية القبيلة من العدو، وأخذ الحيطة منه في وقت لم ينعموا بما ننعم به نحن الآن من الأمن والأمان والاستقرار. وما زالت بعض تلك الحصون صامدة وشامخة في وجه عوامل التعرية، وبعضها شارف على الانهيار بسبب الإهمال.
الكتابات والنقوش وأثناء الجولة، رَصدت عدسة «الشرق» رسومات ونقوشاً كثيرة على الصخور تصور الرحيل والظعن والصيد والهودج، وبعض أنواع الحيوانات التي كانت تعيش في تلك المنطقة، مثل النعام والغزلان والوعول وحمر الوحش وطائر الحباري، كما توجد بعض الكتابات العربية الإسلامية التي تدل على أنها كتبت في بداية الإسلام، وبعض الكتابات التي لم نستطع أن نفك طلاسمها ونعرف أهدافها.
الكهوف وعن الكهوف، قال بن غنام: إن أهم المواقع التي لفتت انتباه الباحثين والسياح في الحرة الكهوف القديمة، التي يمتد بعضها إلى أكثر من 900 متر تحت سطح الأرض في مجرى يصل عرضة 14 متراً، وارتفاعه يتراوح بين 8 و 10 أمتار، مثل كهف الحباشي الذي ما زال غامضاً للجميع، وتُنسج حوله عديدُ الروايات والخرافات المخيفة التي جعلت الأهالي يتخوفون من دخول الكهف بسبب الظلام الشديد عند مدخله، ويحتاج إلى دراسة وافية للتعرف على جميع أسراره وظروف تكوينه.