«الزكاة والضريبة»: اعتماد 3 حالات إضافية لاسترداد المطورين العقاريين لضريبة القيمة المضافة    ترمب يصف محاكمته الجنائية في نيويورك بأنها «غير منصفة للغاية»    أنشيلوتي: كورتوا سيشارك أساسيا مع ريال مدريد في نهائي دوري أبطال أوروبا    ثانوية «ابن حزم» تحتفل بخريجيها    «الربيعة» يدعو إلى تعزيز المسؤولية الدولية لإزالة الألغام حول العالم    ضبط مواطنين في حائل لترويجهما مادة الحشيش المخدر وأقراصًا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    اختتام مبادرة "حياة" للإسعافات الأولية بتعليم عسير    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقوم بزيارة تفقدية    شولتس: إصابات "بالغة" إثر هجوم "مروع" بالسكين في ألمانيا    أمر ملكي بالتمديد للدكتور السجان مديراً عاماً لمعهد الإدارة العامة لمدة 4 سنوات    مفاوضات غزة «متعثرة».. خلافات بين إسرائيل وحماس حول وقف الحرب    كذب مزاعم الحوثيين ..مسؤول أمريكي: لا صحة لاستهداف حاملة الطائرات «آيزنهاور»    الذهب يستقر قبل بيانات التضخم الأمريكية    الهلال يبحث عن الثلاثية على حساب النصر    "فرحة نجاح" تبهج قلوب 200 طالب وطالبة من ذوي الإعاقة بمكة    مورينيو يختار فريقه الجديد    حجاج مبادرة "طريق مكة" بمطار سوكارنو هاتا الدولي بجاكرتا    خلافات أمريكية - صينية حول تايوان    «الجمارك»: إحباط تهريب 6.51 مليون حبة كبتاغون في منفذ البطحاء    وكيل إمارة حائل يرأس اجتماع متابعة مكافحة سوسة النخيل الحمراء    فاتسكه: دورتموند قادر على تحقيق شيء استثنائي أمام الريال    خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والنبوي    أرامكو تستحواذ على 40% في شركة غاز ونفط باكستان    رياح مثيرة للأتربة والغبار على مكة والمدينة    فيصل بن فرحان يلتقي وزير الخارجية الصيني و وزير الخارجية العراق    إسلامية جازان تقيم ٦١٠ مناشط وبرنامج دعوية خلال أيام الحج    ترقية 1699 فرداً من منسوبي "الجوازات"    المملكة ضيف شرف معرض بكين للكتاب    5 مبتعثات يتميّزن علمياً بجامعات النخبة    "سامسونغ" تستعد لطرح أول خاتم ذكي    وزير الداخلية يدشن مشاريع أمنية بعسير    3 شروط للتسجيل في برنامج احتضان لتقنيات الفضاء    منتدى عالمي يناقش مستقبل أشباه الموصّلات بالرياض    توجيه أئمة الحرمين بتقليل التلاوة ب"الحج"    أطعمة تساعدك على تأخير شيخوخة الدماغ    الرياضة المسائية أفضل صحياً لمرضى للسمنة    الغامدي يكشف ل«عكاظ» أسرار تفوق الهلال والنصر    البنك الأهلي واتحاد «القدم» يجددان الرعاية الرسمية للكرة السعودية    ثانوية ابن باز بعرعر تحتفي بتخريج أول دفعة مسارات الثانوية العامة    «الدراسات الأدبية» من التقويم المستمر إلى الاختبار النهائي !    جدة تتزين لأغلى الكؤوس    الخريف لمبتعثي هولندا: تنمية القدرات البشرية لمواكبة وظائف المستقبل    وزير الداخلية للقيادات الأمنية بجازان: جهودكم عززت الأمن في المنطقة    الأمير فهد بن سلطان: حضوري حفل التخرُّج من أعظم اللحظات في حياتي العملية    كيف تصبح زراعة الشوكولاتة داعمة للاستدامة ؟    5 أطعمة غنية بالكربوهيدرات    المملكة تستضيف الاجتماع السنوي ال13 لمجلس البحوث العالمي العام القادم    المعنى في «بطن» الكاتب !    كيف نحقق السعادة ؟    العِلْمُ ينقض مُسلّمات    تشجيع المتضررين لرفع قضايا ضد الشركات العالمية    عبدالعزيز بن سعود يلتقي عدداً من المواطنين من أهالي عسير    عبدالعزيز بن سعود يطلع على عدد من المبادرات التنموية التي تشرف على تنفيذها إمارة عسير    أمير القصيم يكرم 7 فائزين بجائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز    حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة تبوك    جرائم بشعة بحق الفلسطينيين.. استمرار مجاز الاحتلال في خيام النازحين    تكريم الفائزين بجائزة الباحة للإبداع والتميز    6 أنشطة ابتكارية عالمية لسعوديين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطاب عصر النهضة وسياسة الحجب
نشر في الشرق يوم 06 - 07 - 2012

في الأوساط الفكرية السياسية العربية سادت فكرة الرجوع إلى رجال عصر النهضة من مصلحين ومفكرين وسياسيين وتربويين للاستعانة بهم كرافعة للتنوير العربي المنشود بما أنجزوه من حركة فكرية وتربوية وسياسية وثقافية شاملة، إذ كان يمكن أن يكون هذا الرجوع مشروعا منجزا، لولا العوائق – التي يحيلها بعضهم إلى الغرب، أي غرب القرن التاسع عشر، غرب ما بعد الثورة الرأسمالية الصناعية – الكبيرة التي وقفت في وجه إكماله. فكلٌ يعرف مثل هذه العوائق، لقد أماط اللثام عنها كثير من المفكرين الذين تناولوا بالتحليل والدرس أبرز مفكري عصر النهضة بدءا من الطهطاوي وخير الدين التونسي إلى محمد عبده ورشيد رضا.. ألخ. لكن ما نريد أن نثيره هنا بالتحديد يتضمن السؤال التالي: هل تحول هذا التواصل مع مفكري عصر النهضة إلى أزمة تعيق تطور الفكر العربي وتحجب أسئلته التنويرية بقدر ما تحاول أن تضيئها من خلاله؟ وقبل أن نجيب، علينا أن نوضح مبررات منطق السؤال، لأن من طبيعة التواصل في الفكر على خلفية المتغيرات الاجتماعية والسياسية والتاريخية هو أن يفضي إلى تحولات تمس بنية المجتمع العربي، وتقوده على أقل تقدير لحلحلت الأزمات وتفتح الطريق أمامه للنهوض.
لكن ما حدث يبدو لي هو العكس، وسوف نعطي مثالين يوضحان الممانعة التي حجبت أسئلة التواصل كي تؤدي وظيفتها في سياق التحولات المطلوبة. الأول يتصل بالسياسة، والآخر بالفكر، وذلك في علاقتهما الوثيقة بتأثيرات الآخر الغربي. أولا عندما نشأت الأحزاب السياسية في الوطن العربي منذ العشرينيات تحت تأثير العقائد الإيديولوجية الغربية (القومية والشيوعية والاشتراكية والماركسية) كان مؤشرا على حدوث القطيعة بين مسارين لطالما كانا متلازمين عند رواد النهضة. المساران هما إصلاح المجتمع والتربية من جهة والعمل السياسي من جهة أخرى، لقد كانا وثيقي الصلة في فكر المصلح بحيث لا يمكن تغليب أحدهما على الآخر . نجد ذلك في سيرة جمال الدين الأفغاني وأيضا في سيرة تلميذه محمد عبده، وإن كان ثمة من يقول إن هناك تباينا بينهما في الاهتمام والنظرة والتقييم، مع مراعاة أيضا اختلاف طبيعة العمل السياسي بين الفترتين أي ما قبل الاستعمار وما بعده . وحينما ننظر في هذا الإطار تجربة الأحزاب الشيوعية العربية منذ قيام الاتحاد السوفيتي في مؤتمر الأممية الثالثة في العشرينيات بإرسال الرسل إلى الشرق لتنظيم حركة الأحزاب وتكريس الدعاية فيها، فإن الواضح من خلال سيرة مؤسسيها الأوائل وما تلاهم من منتسبين من المثقفين، هو نزع صفة القداسة التي هي من طبيعة المعتقد الديني، وإلصاقها في العمل السياسي الحزبي.
وهذا ما يفسر صفة «الديانة الجديدة» التي أطلقها عالم الاجتماع جوستاف لوبون على الاشتراكية بوصفها الديانة البديلة لإنسان القرن العشرين بعد أفول المعتقدات القديمة. وإذا كانت الاشتراكية تعتمد في الأساس على طبقة العمال في انتشار إيديولوجيتها الحالمة وتبني أفكارها وكذلك نضالها، فإن في أحزاب المشرق العربي، لتعذر وجود طبقة عمال فاعلة، لم يكن أمامها سوى المثقفين – خصوصا أبناء الأقليات – لاعتناقها،أولئك الذين لا يستمدون معارفهم من الواقع وإنما من الكتب. وهذا ما يفسر اتصاف التجربة الشيوعية بأنها حالمة ورومانسية، سواء في نسختها العربية أم الغربية .
هذا المثال يوضح بكيفية ما، التباين الشاسع في الرؤية إلى العمل السياسي بين ما قام به الرواد وبين لا حقيهم، على الرغم من أننا لا نغفل الظروف الموضوعية التاريخية التي فرضت على تجربة الحياة السياسية العربية. إلاّ أن الخصائص الطبيعية للفكر وما ينتجه من أفكار ومقولات لا ترتبط بالضرورة ارتباطا عضويا بالأحداث اليومية التي تجري على صعيد السياسة أو الاجتماع أو الاقتصاد. لكنها تؤثر فيه وتتفاعل معه على المدى البعيد. نقول هذا الكلام لأنه مهما كانت قوة الظروف الموضوعية الخارجية المحيطة بالتجربة السياسية العربية إلا أن هناك جسرا تواصليا قد قطع وهدم بفعل ذاتي، وإلا كيف نفسر التجربة الدستورية الرائدة التي نجحت في الشام ما قبل الانقلابات العسكرية المتعاقبة؟ ثانيا يمكن أن نمثل هنا بموقفين اثنين حول قضايا الدين والطائفية والمجتمع وذلك فيما يتعلق بالمجتمع اللبناني (بالخصوص)، لنبين من خلالهما مدى الفروق و التفاوت في الرؤية لهذه القضايا. الموقف الأول يمثله المعلم بطرس البستاني، والثاني الدكتور شبلي الشميل. لقد بيّن الدكتور ناصيف نصار في كتابه «نحو مجتمع جديد» تلك الفروق كي يعزز مفهوم التواصل مع رواد عصر النهضة من جهة، ويعيد النظر والتحليل في تلك القضايا المهمة التي تؤرق الوطن العربي انطلاقا من فكر الرواد من جهة أخرى. لكننا في استشهادنا التالي نذهب إلى مدى التفاوت في الانقطاع بين رأيين أو موقفين، على الرغم من أنهما عاشا في فترتين زمنيتين متقاربتين منتصف القرن التاسع عشر
يقول «كان البستاني مؤمنا بالدين ومدافعا عن الفكرة الوطنية. لذلك صب نقده على التعصب المذهبي والجهل، ونادى بمبدأ فصل الدين عن السياسة المدنية، ورأى أن التحرر من الانقسام الطائفي والتخلف في المدنية يتحقق بوجود الوطن. وهكذا خطا أول خطوة حازمة في نقد الأيديولوجية الدينية السياسية الاجتماعية الموروثة من القرون الوسطى. أما الشميل فقد ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير إذ إنه لم يقف عند حد التنديد بالتعصب والانقسام، بل صب النقد على المصدر الذي يغذي التعصب والانقسام – حسب رأيه – أي الدين، وطالب بوجوب تأسيس المجتمع على العلم، وبوجوب التخلي عن فكرة الوطن والوطنية لأنها كما يرى مثلها مثل فكرة الطائفية».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.