"الموارد البشرية "تطلق خدمة "أجير الحج" و"التأشيرات الموسمية" لموسم الحج    «الداخلية»: ضبط 12,974 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود في أسبوع        200 كشافة سعودية تساند أمن "الحرم المكي" في الحج    10 ملايين نازح.. اشتعال 3 جبهات بين الجيش السوداني والدعم السريع    جنة ينافس العيسى على رئاسة الأهلي    الفلبين تحظر واردات الطيور والدواجن من أستراليا بسبب أنفلونزا الطيور    غزة تستغيث لتوفير مولدات كهربائية للمستشفيات    قرار الأمم المتحدة بوضع إسرائيل على القائمة السوداء خطوة في الاتجاه الصحيح    انخفاض الروبل أمام العملات الرئيسية حتى 10 يونيو    الطقس: حار إلى شديد الحرارة على معظم مناطق المملكة    بعد الهزيمة ساوثجيت يحذر لاعبي إنجلترا قبل بطولة أوروبا    نائب أمير مكة يتفقد العمل بصالات الحج    الهلال يعلن برنامج تحضيراته للموسم الجديد    الأخضر يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة الأردن    الاتحاد يمدد إعارة حامد الغامدي    "أبل" تدعم تطبيق البريد ب "الذكاء"    مقتل صاحب أول صورة ملونة لكوكب الأرض من الفضاء    "قاع الحاج" بالعُلا.. استراحة الحجيج قديماً    "آبل" تخرج بعض إصلاحات "آيفون" من الضمان    سوء التغذية يسبب اكتئاب ما بعد الولادة    الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    بيئة نجران تدشن اليوم العالمي للبيئة تحت شعار "أرضنا مستقبلنا"    تأهّل الحزم والنور والابتسام والصفا إلى نصف نهائي بطولة المملكة لكرة اليد الشاطئية للكبار    الجبير يرأس وفد المملكة المشارك في الحدث رفيع المستوى بشأن العمل من أجل المحيطات        100 ألف زائر في كرنفال القادسية الأسطوري    بعثة المنتخب السعودي تزور صالة مبادرة "طريق مكة" بباكستان    المملكة عضواً في المجلس الاقتصادي والاجتماعي (ECOSOC) للفترة 2025-2027م    انطلاق الدورة العلمية الكبرى تحت عنوان "التوحيد في الحج"    الدفاع المدني ينفذ فرضية حريق بالعاصمة المقدسة    منصور ابو شهران في ذمة الله    فرع هيئة الصحفيين بمكة ينظم ورشة الإعلام في الحج    ضيوف المليك: استضافتنا للحج امتداداً لأعمال المملكة الإنسانية    «هيئة النقل» تنفذ أكثر من 98 ألف عملية فحص حتى بداية شهر ذي الحجة    القبض على 3 أشخاص بالمنطقة الشرقية لترويجهم (5.5) كيلوغرامات من الحشيش    نائب رئيس جمهورية جامبيا يغادر المدينة المنورة    جامعة الملك خالد تتقدم 160 مركزًا في تصنيف QS العالمي للجامعات 2025م وتحقق المركز 601    حظر دخول أسطوانات الغاز للمشاعر المقدسة    اليحيى يُراجع خدمات الحجاج بمطار المؤسس    «الأحوال»: منح الجنسية السعودية لشخصين.. وقرار وزاري بفقدانها لامرأة    فيصل بن مشعل يقدر لامين وأمانة القصيم جهودها في مدينة حجاج البر    المفتي: الحجّ دون تصريح "يأثم فاعله"    400 مشروع فني وتصميمي لطالبات كلية التصاميم بجامعة الإمام    زيادة مقاعد برنامج "طب الأطفال" بتجمع القصيم الصحي إلى 100 متدرب    أغنيات الأسى    فقدت والدها يوم التخرج.. وجامعة حائل تكفكف دموعها !    لاعبون بكلية مزروعة    الصيف الساخن يعكر نومك.. 3 نصائح تساعدك    هل نجح الفراعنة في علاج سرطان المخ قبل 4 آلاف عام؟    وزير التعليم يرعى جائزة الفالح للتفوق العلمي والإبداع    "الأخطبوط" عبادي الجوهر.. "أرينا" أكبر تكريم والسعودية نعمة    فضائل الدول الصناعية وعيوب من عداها    «التحيّز».. الداء الخفي    حفلات التخرج.. من الجامعات إلى رياض الأطفال    وقوف امير تبوك على الخدمات المقدمة في مدينة الحجاج بمنفذ حالة عمار    وزير الداخلية يخرّج "1410" طلاب من "فهد الأمنية"    خالد بن سلمان يجري اتصالاً هاتفياً بالرئيس المنتخب وزير الدفاع الإندونيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحتمية التاريخية وتوظيفاتها الإيديولوجية العربية
نشر في الحياة يوم 05 - 04 - 2010

 التقدًُّم الباهر الذي أحرزته الثورة الصناعيّة والعلميّة في الغرب في القرنين السابع والثامن عشر أرسى الأساس النظري للاعتقاد بالحتميّة العلميّة التي انطلقت من الفيزياء لتلج مجالات علم النفس والعلوم الاجتماعيّة، انتهاءً إلى القول بالحتميّة التاريخيّة. فقد خلص التطوّر العلمي إلى ان كل ما في الطبيعة، بما في ذلك الإنسان والمجتمع الإنساني، يسير وفق قوانين ثابتة لا يحيد عنها ولا تحيد. وعليه، فلكل حدث شروط إذا توافرت لا يمكن إلا أن يقع ولا شيء غيره. الأمر الذي كان في أساس الاعتقاد بحتميّات فيزيائيّة واجتماعيّة ونفسيّة وأخلاقيّة تاريخيّة، تفسِّر العالم المادي، وتقرّر مصير الإنسان والمجتمعات والأمم. إلا أن هذه الحتميّات كما تصوّرها فكر الأنوار لا تجري عشوائياً، وإنّما تتقدَّم في اتجاه خطي لا نهائي سيفضي في خاتمة المطاف إلى الكمال الإنساني. رؤية تفاؤليّة إذا طبعت فكر الأنوار، تجد أن ثمة معنى للتاريخ في مساره، وأنه يتبع قوانين لها صرامة العلم وهو يتقدّم باستمرار. من هنا على سبيل المثال كان تشديد كانط على معنى التاريخ العالمي وسيرورته نحو نظام عالمي أخلاقي، وقول ماركس بحتميّة إقتصاديّة تفسّر حركة التاريخ وتتجه نحو مجتمع إنساني خالٍ من الطبقات يحقّق معه الإنسان إنسانيّته المثلى.
انسحبت هذه الرؤية في الفكر العربي الحديث والمعاصر بأشكال مختلفة. ففي عصر النهضة العربيّة ساد لدى بعض الأدباء والمفكّرين مثل فرنسيس المرّاش وشبلي الشميّل وفرح أنطون وغيرهم إعتقاد بحتميّة التقدّم الإنساني وإيمان بحركة غائيّة للتاريخ في اتجاه إيديولوجي مرسوم، وقد استمرّ هذا الاعتقاد في الفكر الإيديولوجي العربي المعاصر بكل توجّهاته القوميّة والاشتراكيّة والعلمانيّة حيث رأى كلّ توجّه من هذه التوجهات أن التاريخ سينتصر له ولأطروحاته الإيديولوجيّة. ففي رأي علمانيّ لبناني عام 1970 أن التطوّر في اتجاه المجتمع العلمي العلماني قد بدأ، وأن حركة الجدليّة التاريخيّة التي يعيشها الشعب اللبناني تعبِّر عن نفسها بضرورة الانتقال من الجماعات الدينيّة إلى المجتمع العلماني. ف «التاريخ يعمل من أجل الثورة المجتمعيّة التي ستولد إنساناً جديداً، والانقسام الدموي الذي حصل عام 1958 لا يمكن أن يتجدّد». ولنا أن نتصوّر المآل الخائب لهذا الطرح قبل أن تنقضي عليه سنوات قليلة، وذلك في الحرب الطائفيّة اللبنانيّة التي زلزلت الكيان اللبناني وكشفت هشاشة حداثته.
وإذا كان الفكر الإيديولوجي العلماني قد توسّل الحتميّة التاريخيّة لإسناد أطروحاته العلمانيّة، فإن الإيديولوجيا القوميّة بنت أطروحاتها هي الأخرى على فرضيّات التاريخ وحتميّة تحوّلاته في الاتجاه الذي تتطلّع إليه وتتبنّاه. فالوحدة العربيّة من منظور الماركسيّين الإقتصادويين ضرورة تاريخيّة يحتّمها تطوّر المجتمع نفسه، وتطور اقتصادات العالم العربي وطرق مواصلاته، وتقدّم الرأسماليّة الوطنيّة العربيّة. ومن منظور القوميّين العرب يحتّم الوحدة واقع التجزئة والتخلُّف العربيّين، كونها بديلهما الوحيد. هذه الأطروحة لا تزال تتكرّر منذ أواسط القرن الماضي إلى الآن، فقد جاء في المشروع النهضوي العربي، مركز دراسات الوحدة العربية 2010، أن «الوحدة ضرورة حيوية وجودية للأمّة العربيّة تفرضها على العرب تحدّيات التنمية الإقتصادية والعلميّة والتقانيّة والأمن القومي وضرورات البقاء». وهكذا فالوحدة في المنظورين حتميّة إقتصاديّة اجتماعيّة يتمخّض عنها بالضرورة سياق التطوّر التاريخي.
ولم يكن الفكر الإيديولوجي الاشتراكي أقلّ استجارة بالحتميّة التاريخيّة، والبناء عليها في دعم أدلوجاته. فالاشتراكيّة من المنظور الشيوعي هي المرحلة الأخيرة التي يجري التطوّر باتجاهها في خاتمة المطاف. وقبل أن يصبح ممكناً إنجاز أي تحوّل واقعي باتجاه الاشتراكيّة لا بدّ من تطوّر الرأسماليّة التي سيخرج من رحم انهيارها المجتمع الاشتراكي الموعود. من هذا القبيل قول نقولا شاوي أحد رموز الحركة الشيوعيّة اللبنانيّة: «كان أمراً حتمياً نشوء حزبنا، ككل قوانين الطبيعة، كان استجابة لحتميّة تاريخيّة، نضجت شروطها الموضوعيّة داخل المجتمع اللبناني نفسه».
لقد صورت الأدلجة الاشتراكيّة والشيوعيّة العالم العربي وكأنّه عشية الانقلاب التاريخي نحو الاشتراكيّة بناء على تطوّرات رفعت إلى مرتبة القوانين التاريخيّة الحتميّة: الرأسماليّة العربيّة تتقدّم والانقسام الاجتماعي والطبقي يتجه نحو الحدة والتأزم، والأمبرياليّة العالميّة في مأزق، إذاً كل شيء مؤاتٍ للتحوّل الاشتراكي. هذا ما يقوله أتباع الحتميّات العلميّة التاريخيّة التي لا تخطئ في زعمهم. لكن الجماهير العربيّة عاشت عقوداً طويلة مع كل هذه الطروح على أمل الحرية والخبز والكفاية الاجتماعيّة، فيما المجتمع العربي ينحدر سريعاً من دون أن يفلح إيديولوجيّو «التحليل العلمي» في وقف تعاظم نسب الجوع والبطالة والأميّة.
المغيَّب مع كل هذه الأدلوجات الحتمويّة، سواء العلمانيّة أو القوميّة أو الاشتراكيّة، هو الإنسان وحضوره الفاعل والمركزي في حركة التاريخ. فالإنسان هو الذي يقرّر مصيره السياسي والاجتماعي بالتفاعل مع قوانين الطبيعة وحتميّاتها، أو ضد هذه القوانين والحتميّات، وإلا لما أمكنه أن يحطّم كثيراً من القيود التي كبّلته عبر تاريخه الطويل.
وفي رأينا أن الإفلات من مقولة الحتميّة التاريخيّة وإعادة الدور المركزي إلى الإرادة الإنسانيّة هما السبيل المجدي لتحوّل المجتمع العربي سواء في الاتّجاه العلماني أو في الاتجاه الاشتراكي أو نحو الوحدة العربيّة، بدل الاتّكاء على حتميّات لم تجعلنا نتقدّم قيد أنملة نحو الضالة المنشودة.
* كاتب لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.