وجود البسطات أو الأكشاك المتنقلة على أرصفة بعض الشوارع وفي أوقات وأيام محددة ليس أمراً سيئاً، بل هو جزء من نبض المدن وذاكرتها، وكلنا نتذكر أيام رمضان حيث تمتلئ الأسواق بالبسطات التي تعرض مأكولات ومستلزمات رمضان والعيد في أجواء احتفالية تضيق معها الشوارع ولكنها تتسع في وجدان الناس وتصبح طقوسا لاتنسى ضمن ذاكرة بعض الشوارع في السوق المركزي وبعض أماكن التجمعات، حتى بدأت تختفي بوجود أسواق الهايبر والسوبر والمراكز التجارية، وما نشهده الآن في بعض أسواق المدن في نهاية الأسبوع وخاصة أيام الجمع وأمام الجوامع الكبيرة لا تنبع سلبيتها في وجودها وانتشار العمالة فيها وإن كان أكثر العارضين والرواد منهم لأنه جزء من ذاكرة المدن وذاكرتنا الطفولية حين يأتي الأب والأخ بعد صلاة الجمعة ويده ممتلئة بفاكهة الموسم أو جهاز طريف أو لعبة أو قطعة ملابس، لكن السلبية تنبع في الفوضى الضاربة أطنابها فيها وغياب الأمانات أو حضورها الرمزي، ففي كل مدن العالم هناك أسواق مؤقتة تنبت في نهايات الأسبوع وتختفي ليلة بدء أيام العمل، تجدها في شارع طويل ومزدحم بنيويورك بالقرب من ميدان تايم سكوير الشهير، وتجدها في مركز مدينة سري القريبة من لندن وفي الشارع الذي يقع عليه متجر لافاييت المزدحم بباريس وتجدها في ماليزيا وغيرها لكن ما يميزها أنها منظمة ومرتبة ونظيفة ووفق مواصفات جمالية بسيطة تحددها بلديات تلك المدن وتخصص لها شارعا تمنع مرور السيارات فيه في هذين اليومين فإذا انتهت عطلة نهاية الأسبوع فكك أصحابها الأكشاك ونظفوا المكان فلا يبدأ صباح اليوم الجديد إلا والشوارع نظيفة وحركة السيارات فيها دؤوبة كأن لم يكن بها أنيس ولم يسمر بها سامر، ولكي نعيد إلى شوارعنا شيئا من إنسانيتها ونخرج قليلاً من تجهم كتل الإسمنت والأسفلت نحتاج إلى تنظيم هذه الاحتفالية فبدلاً من عشوائية البسطات بمناظرها المؤذية والمزابل التي تخلفها بعد أن ينفض السامر نحتاج إلى أن تخرج الأمانات مستشاريها الأنيقين من مكاتبهم الأكثر أناقة ليقوموا بإعادة شيء من الإنسانية البسيطة لشوارعنا وأسواقنا حتى يصبح الإنسان هو العنصر الأساس والكائن الحي الذي يتنقل ويتسكع على أرصفة الشوارع وليس إضاءات النيون والنخيل الصناعي وحاويات النفايات ولوحات ممنوع الوقوف لغير زبائن المحل.