«إننا نبحث هنا بالديموقراطية في وجه حكم القلة، في حرية التعبير في خضم أزمة وطنية، في حكمة الناخبين» بعد حوالى 2500 سنة على إدانة سقراط لأنه تحدى آلهة المدينة وقوانينها أعادت أثينا محاكمة الفيلسوف الجمعة وأتى الحكم، براءة. خلال هذه المحاكمة الشرسة والمغلوطة التي يتردد صداها في الأحداث الحالية، أثيرت هذه الموضوعات بقوة على ما قالت لوريتا بريسكا القاضية من نيويورك التي أصبحت خلال جلسة إعادة المحكمة «رئيسة المحكمة». ففي العام 399 قبل المسيح تولى سقراط شخصيا الدفاع عن نفسه أمام حضور مؤلف من 500 من سكان أثينا من الذكور فقط من مواطنين وقضاة ومحلفين. وفي غيابه هذه المرة مثله محاميان أمام عشرة قضاة دوليين. وقد مال خمسة منهم إلى أن الفيلسوف مذنب وخمسة آخرون إلى عكس ذلك. فهل سقراط مذنب بعدم احترام آلهة المدينة وإدخال معتقدات جديدة وإفساد الشباب؟ وأكد باتريك سايمون من جهة الدفاع أن «التعبير عن رأي ليس بجرم. سقراط كان يسعى إلى الحقيقة». وقال وهو يفيض بالكلام أمام القضاة ونحو 800 من الحضور «موكلي كان لديه عيب فهو كان يحب أن يهزأ ويستخدم سخرية شرسة. إلا أني أرجوكم ألا تقعوا في فخ تشويه الديموقراطية. فمن خلال تبرئته ستثبتون صلابة الديموقراطية وإمكانية الوثوق بها». كان البعض يعتبره خائنا والبعض الآخر مرشدا روحيا، وكان سقراط يدين «الدوكسا» أي الرأي السائد دافعا من خلال طرح أسئلة كثيرة أذهان محادثيه إلى التقدم بأفكار تحويها بالأساس. تعاليمه غير المكتوبة التي حفظها تلميذه أفلاطون كانت تشكك بمفاهيم حساسة مثل السياسة والأخلاق، ما كون له أعداء كثرا.وشدد أنطوني باباديمتريو رئيس مؤسسة أوناسيس منظمة الحدث ومحامي مدينة أثينا مساء الجمعة «سقراط كان يشترط الاستفادة من منافع الديموقراطية من دون مسؤولياتها».وأضاف «حرية التعبير لها حدودها، ما من أحد يمكنه أن يمجد هتلر أو أن ينفي المحرقة». في السادس من مايو وللمرة الأولى منذ عودة النظام الديموقراطي إلى اليونان في العام 1974 دخل حزب نازي جديد إلى البرلمان بحصوله على 7 % من الأصوات.وقال باباديمتريو قبل بدء جلسة المحاكمة «بطبيعة الحال ثمة رابط بين محاكمة سقراط والأحداث الراهنة لكن ليس فقط على الساحة اليونانية: فهذا الموضوع تعاقبي تطوري ويشمل كل الثقافات». وأضاف أنه من خلال سقراط «نتطرق إلى مسألة حدود حرية الكلام والتفكير. إلى أي حد يمكن للمواطن المناهض للنظام أن يذهب؟ ما هي حقوق النظام الديموقراطي ضد مواطنيه؟»واعتبر المنظمون أن محاكمة سقراط قد تكون مفيدة لليونان التي تتخبط في أزمة. وقد كانت مسألة الديموقراطية في خضم النقاشات في اليونان في الأشهر الأخيرة مع دولة ترد مستخدمة القوة على شعبها المستاء كما كانت الحال خلال التظاهرات المناهضة لسياسة التقشف، والتشكيك بشرعية حكومة غير منتخبة كما كانت الحال مع حكومة لوكاس باباديموس في تشرين الثاني/نوفمبر 2011. وقال باباديمتريو «اليونان تعيش مرحلة صعبة لكننا نظن أننا سنتمكن من تجاوز هذه المرحلة كما فعلنا مع الرومان والأتراك والألمان». وأضاف ساخرا «آمل أيضا أن نتجاوز حكمة الناخبين» في وقت تستعد فيه البلاد في 17 حزيران/يونيو لانتخابات تشريعية جديدة مع غياب الاتفاق على حكومة ائتلافية بعد انتخابات السادس من أيار/مايو التي لم تفرز أية غالبية. وتصويت اليونانيين الذي قد يأخذ شكل استفتاء على اليورو، مرتقب بقلق على الصعيد الدولي. فالحزب اليساري الرادكالي سيريزا بزعامة أنطونيس تسيبراس الذي يطالب بوقف دفع مستحقات الديون التي تثقل كاهل البلاد ويريد إعادة التفاوض بشأن شروط الاتفاقية المبرمة مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والمصرف المركزي الأوروبي، يتصدر استطلاعات الرأي.