رحم الله الملك فهد وغازي القصيبي اللذين قادا تجربة فريدة قل نظيرها محليا وإقليمياً وعالميا، إنها مدينة الجبيل الصناعية. ولا أدري لماذا لم تحظ تجربة مدينة الجبيل الصناعية بالاهتمام الكافي من قِبَل وسائل الإعلام والكتاب والمثقفين والمهتمين بالتنمية والتطوير ورجال الإدارة والاقتصاد. هذا النجاح وكل نجاح لابد وأن يكون له أسباب. وفي تقديري أن أهم عوامل نجاح مدينة الجبيل الصناعية يكمن في وجود رجل سياسة قوي وصاحب رؤية استراتيجية طويلة المدى مثل الملك فهد، ووجود رجل إدارة وظاهرة تنموية فريدة كغازي القصيبي. وانطلق الرجلان من حقيقة عدم جدوى الاعتماد فقط في اقتصادنا على تصدير النفط الخام وضرورة تنويع مصادر الدخل عبر تأسيس قاعدة صناعية متينة قائمة على النفط مثل البتروكيماويات. كذلك من أهم أسباب النجاح إعطاء الهيئة الملكية للجبيل وينبع الاستقلال المالي والإداري وحق الإشراف الكامل على المدينتين والتخطيط والتأسيس والتنفيذ والإدارة والمتابعة والتطوير لكل الخدمات التي تحتاجها (هذا سر من أسرار النجاح لمشروعاتنا التنموية حيث أدى غياب مثل هذا التنسيق وتداخل الصلاحيات إلى فشل الكثير منها). كذلك التخطيط المنهجي لأي مشروع هو سر كل نجاح. ويتجلى ذلك في إنشاء بنية تحتية وتجهيزات للخدمات الأساسية لعشرات السنين القادمة تشتمل على خدمات الماء والكهرباء والتصريف والإطفاء والاتصالات والمواصلات والإسكان (في وقت تشهد الكثير من مدننا سباق حفريات فوضوية لا تنتهي). كذلك أثبتت الهيئة أن الكفاءات الوطنية إذا توفر لها الدعم والتحفيز والقيادة المناسبة ستكون خير من يشارك في التنمية. وهناك ملحمة من نوع آخر يسطرها شبابنا في مدينة الجبيل من مهندسين وإداريين ومهنيين. ويذكر لي أحد المهندسين أن الخبراء الغربيين يقفون في ذهول ويتصاغرون أمام قدرات هؤلاء الشباب، وللحديث بقية.