قيل في السابق «في التأني السلامة وفي العجلة الندامة» وقيل «العجلة من الشيطان»، فكل عاجل ومستعجل منا فهو على كف عفريت في ذهابه وفي انتظاره وفي تعامله، فمتى نكون هادئين في كل أمورنا. كنت في زيارة لمقر تسلم التأشيرات بمجمع أم الحمام قبل فترة، ولفت انتباهي ارتفاع بعض الأصوات يميناً وشمالاً، فكان مصدر الصوت وسببه هو التأفف من طول الانتظار، مع العلم أن هناك بعض المراجعين جالسون دون أي تأفف ينتظرون دورهم لتسلم تأشيراتهم، وتفكرت فينا نحن كشعب هل هذه الميزة السيئة فقط في مجتمعنا فقط؟ أم إن هناك مجتمعات كثيرة مشابهة لنا في تأففهم وتضجرهم لطول الانتظار، وهذا الأمر نشاهده في أغلب الجهات التي تقوم بخدمة الجمهور بشكل يومي، فتشاهد ما يسوؤك من ارتفاع الأصوات والضجر من طول الانتظار. والسؤال هو: لماذا نحن في عجلة من أمرنا؟ الناظر إلى مجتمعنا يشاهد العجب العجاب في قيادة الناس لمركباتهم وهم يقودونها بسرعة جنونية، وكيف يتجاوزون إشارات المرور بسرعة فائقة قبل توقفها، وقد يبرر بعضهم بأن أسباب استعجال الناس بهذا الشكل يعود إلى ضغوط الحياة التي أصبحت صاخبة جداً، وأن المدن الكبيرة أصبحت بصخبها تُشكل دوراً كبيراً في تغيير سلوكيات الناس، ليصبحوا في عجلة من أمرهم؛ حتى أصبحنا نشاهد كثرة المطاعم ذات الأكلات السريعة والمقاهي على الطرقات لتوفير الشاي والقهوة، بأنواعها، فأصبحنا نأكل بسرعة ونشرب الشاي والقهوة أثناء قيادتنا للسيارة وبسرعةٍ أيضاً؛، ولعل هذا لا يبرر أن نحافظ على هدوئنا في كل وقت. نحن تعودنا على العجلة بسبب أو دون سبب وأصبح هذا هو ديدننا، حتى في دفن الأموات تجد الصخب والعجلة أثناء دفنهم، على الرغم من أن السنة في المقابر هي الهدوء وعدم رفع الصوت، كذلك وقوف الكثير منا أمام المساجد لأداء الصلوات بطريقة غير نظامية ولائقة، فتشاهد منظر المركبات منظراً عجيباً وغير حضاري بسبب عدم تقيد الكثير منا بالوقوف الصحيح أمام المساجد مما قد يعرض حياة الآخرين للخطر، وتجد بعضهم يتجه للصلاة وهو مسرع والرسول عليه أفضل الصلوات والتسليم يقول «إِذَا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَةَ، فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ، وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، وَلَا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» فهناك توجيهات نبوية لعدم العجلة في كل شيء، فمن هنا نأتي إلى أهمية إدارة الوقت لأنها من الأمور التي يجب أن نتعلمها ونحافظ عليها حتى نستطيع أن نُسير أمور حياتنا اليومية بشكل طبيعي ودون عجلة أو اضطراب لنتمكن من زرع الهدوء في نفسياتنا ونبتعد عن الاستعجال الذي قد يؤدي في النهاية إلى عواقب وخيمة. أعجبتني دراسة أمريكية قديمة طُبقت على المجتمع الأمريكي وددت أن أسوقها لكم لتوضح لنا كيف يقضي المواطن الأمريكي حياته من خلال معدل عمر افتراضي وضع لأجل الدراسة وهو (ستون عاماً)؟ والهدف من هذه الدراسة هو: كشف الكثير من الوقت المهدر أثناء عمر الإنسان دون أن يعلم به صاحبه، ونتائج هذه الدراسة يمكن تطبيقها على أغلب شرائح المجتمعات في العالم؛ حيث أظهرت الدراسة أن أغلب الأمريكيين يقضون (7 سنوات) من عمرهم في الحمام؛ وهذه النتيجة ممكن تعميمها على أغلب المجتمعات، و(6 سنوات) من عمرهم في الانتظار في الطوابير، ولعل هذا الجانب لا ينطبق علينا مثلما ينطبق على المجتمعات الغربية التي تحترم النظام، و(سنتين) في الاتصالات الهاتفية (خمس سنوات بعد الجوال)، ولعلنا نحن نهدر وقتاً أكثر منهم في استخدام الهواتف سواء المحمولة أو الثابتة، و(3 سنوات) من عمرهم في اجتماعات العمل، وقد نتفوق عليهم أيضاً في عدد أيام الاجتماعات التي تُعقد لدينا بكثرة، وسنة في الاطلاع على الرسائل (4 سنوات بعد الجوال)، وأعتقد أن الأمور قد تبدلت بعد وسائط التواصل الاجتماعي خاصة « الواتسآب» الذي أعتقد أنه أخذ أياماً كثيرة من حياتنا، ومدة نصف السنة يقضونها في الوقوف عند الإشارة الحمراء، وثلث حياتهم يقضونها في النوم أي ما يقارب اثنتين وعشرين سنة، وهذه النتائج هي ضمن دائرتنا وسلوكياتنا، والباقي من العمر الافتراضي للفرد هو: 8 سنوات ونصف السنة فقط. فهل فكرنا ملياً أن هذه السنوات الثماني والنصف كافية لنا من العمر كله ونستطيع أن نقضيها في هدوء وطمأنينة وسعادة وفرح وسرور؟ كذلك هل هذه السنوات القليلة من عمرنا تستحق منا هذا الصخب والعجلة من أمرنا؟ ختاماً من الجهة المسؤولة عن تهدئة نفوس المستعجلين منا في أمور حياتهم، وكيف يتم غرس وترسيخ مفهوم وحب الهدوء والانتظار في كل مكان وأن يتقيد الجميع بدورهم ولا يحاولون التضجر والتأفف من طول الانتظار، لأن هذا يدل على الرقي والتحضر الذي يعكسه كل فرد منا عن نفسه ووطنه.