دخلت الأحد أول قافلة مساعدات إنسانية من الهلال الأحمر السوري الى مدينة السويداء في جنوب سورية، غداة إعلان وقف لإطلاق النار أعقب أسبوعاً من اشتباكات أوقعت أكثر من 1100 قتيل، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. وأفاد المرصد الاثنين عن تسجيل "خروقات لاتفاق وقف إطلاق النار"، تمثلت ب"إطلاق قذائف وهجمات بطائرات مسيّرة من قبل مسلحي العشائر على" محاور عدة في شمال مدينة السويداء. وشاهد مراسل فرانس برس على مشارف السويداء أربع حافلات وسيارات خاصة تُجلي عائلات من البدو بينهم نساء وأطفال، خرجت باتجاه مراكز إيواء في محافظتي درعا المجاورة ودمشق بالتنسيق مع الهلال الاحمر العربي السوري. وقال إن قوات الأمن السوري رفعت سواتر ترابية تفصل بين أطراف بلدة بصر الحرير في درعا ومدينة السويداء ومحاور أخرى في ريف المدينة الغربي، بينما تجوّل خلفها عدد من العناصر، وبجانبهم عدد من مقاتلي العشائر بملابسهم التقليدية وأسلحتهم الخفيفة. وقد توزعوا تحت الأشجار وعند جانبي الطريق. وشهدت السويداء هدوءًا حذرًا الأحد، وفق مراسلين لفرانس برس في المدينة وعلى أطرافها، توازيا مع انتشار عناصر الأمن الداخلي في أجزاء من المحافظة بموجب إعلان الرئاسة السورية وقفا لإطلاق النار السبت. وأتاح ذلك دخول أول قافلة محملة مساعدات انسانية الى المدينة التي بدت مقفرة بعد نزوح غالبية سكانها البالغ عددهم 150 ألف نسمة. وقال مدير الإعلام والتواصل في الهلال الأحمر عمر المالكي لفرانس برس "هذه أول قافلة تدخل بعد الأحداث الأخيرة.. بالتنسيق مع الجهات الحكومية والسلطات المحلية" في المدينة. وتضمّ المساعدات سلالا غذائية ومستلزمات طبية وطحيناً ومحروقات وأكياساً للجثث، بحسب المالكي. ولا تزال الجثث تملأ مشرحة المستشفى المركزي في السويداء وبعض غرفه، وفق صور التقطها مصور لفرانس برس، بينما يعمل الطاقم الطبي المنهك بين جثث موزعة في المكان، بعضها مكشوف. ويقول مسؤول في الطبابة الشرعية في المستشفى لوكالة فرانس برس، من دون الكشف عن اسمه "سلمنا 361 جثة الى عائلات أصحابها، بينما لا يزال لدينا 97 جثة مجهولة الهوية". وأفادت إدارة المستشفى عن أن جثثا مجهولة الهوية لا تزال تتكدس في شوارع ومنازل المدينة، داعية الى الاسراع في عملية سحبها، بعد مضي أيام على مقتل أصحابها. ويعمل الطاقم الطبي وسط ظروف صعبة في المستشفى الذي دارت اشتباكات في محيطه وفي جزء منه خلال الأسبوع الماضي، بينما كان يغصّ بالجرحى الذين افترش بعضهم الممرات الضيقة. وبحسب تقرير لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة "خرجت المستشفيات والمراكز الصحية في السويداء عن الخدمة" وسط "نقص واسع في الغذاء والماء والكهرباء وتقارير عن جثامين غير مدفونة ما يثير مخاوف حقيقية على الصحة العامة". وأشار التقرير إلى أن الوصول إلى السويداء "لا يزال مقيداً للغاية"، لافتاً إلى أنه "في حين تم مناقشة فتح ممرات، إلا أن الوصول الميداني الفعلي لم يؤمن بعد لتنفيذ عمليات إنسانية واسعة النطاق". وأكد المرصد أن "هدوءاً حذراً" يسود جبهات القتال منذ منتصف ليل السبت الأحد، محذرا من "تدهور الأوضاع الإنسانية والنقض الحاد في المستلزمات الطبية". واندلعت أعمال العنف في 13 يوليو/تموز/ بين مسلحين دروز وآخرين من البدو، قبل أن تتدخل فيها القوات الحكومية ثم مسلحين من العشائر الى جانب البدو، وفق المرصد وشهود. وفاقمت ضربات اسرائيلية على مقار رسمية في دمشق وأهداف عسكرية في السويداء، الوضع سوءاً. تبادل محتجزين وأعلنت وزارة الداخلية "إخلاء مدينة السويداء من كافة مقاتلي العشائر وإيقاف الاشتباكات داخل أحياء المدينة"، في خطوة قال المتحدث باسم مجلس القبائل والعشائر السورية خلدون الأحمد إنها جاءت "استجابة لنداء رئاسة الجمهورية وبنود الاتفاق". على منصة (أكس)، قال المبعوث الأميركي الى سورية توم برّاك "لا يمكن احتواء الأعمال العدائية المتصاعدة إلا من خلال اتفاق على وقف العنف وحماية الأبرياء". وأضاف "أما الخطوة الأساسية التالية على طريق الشمول وخفض التصعيد المستدام، فهي تنفيذ عملية تبادل كاملة للأسرى والمعتقلين، والتي يجري حاليًا الإعداد لترتيباتها اللوجستية". وأفادت وكالة سانا الرسمية مساء الأحد بأن "المفاوضات لا تزال جارية" من أجل "تبادل المحتجزين بين عشائر البدو والمجموعات المسلحة في السويداء". وجاء اعلان دمشق السبت عن وقف لإطلاق النار بعد ساعات من إعلان الولاياتالمتحدة عن هدنة بين سورية وإسرائيل التي تعهدت مرارا بحماية الدروز، وسبق لها أن حذّرت السلطات السورية من أنها لن تسمح بوجود قواتها في جنوب سورية على مقربة من هضبة الجولان التي تحتل أجزاء واسعة منها منذ 1967. 1120 قتيلاً و128 ألف نازح وأوقعت الاشتباكات التي تخللها عمليات اعدام وانتهاكات، 1120 قتيلاً خلال أسبوع، بحسب أحدث حصيلة للمرصد الأحد. كما دفعت أكثر من 128 ألف شخص الى النزوح من منازلهم، وفق المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة. وتعاني قلة من السكان ما تزال تلازم منازلها في السويداء من انقطاع الكهرباء والماء، فيما الغذاء شحيح مع استمرار إقفال المحال التجارية. وحضّ وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو السلطات على "محاسبة أي شخص مذنب بارتكاب الفظائع وتقديمه إلى العدالة، بمن فيهم من هم في صفوفها". وقال على (إكس) "إذا كانت السلطات في دمشق تريد الحفاظ على أي فرصة لتحقيق سورية موحدة وشاملة وسلمية (...) يجب عليها المساعدة في إنهاء هذه الكارثة". وأعمال العنف الأخيرة ليست الأولى تشهدها سورية منذ وصول السلطة الجديدة الى الحكم قبل أكثر من سبعة اشهر. وأسفرت اشتباكات دامية بين قوات الأمن ومسلحين في منطقة الساحل السوري استمرت لثلاثة أيام خلال مارس /آذار/عن مقتل أكثر من 1700 شخص. وأعلنت الرئاسة السورية الأحد تسلمها تقرير لجنة تقصي الحقائق الرسمية المكلفة التحقيق في أعمال العنف في الساحل، متعهدة باتخاذ خطوات من شأنها "منع تكرار الانتهاكات". وأكدت الرئاسة في بيان أنها "ستقوم بفحص النتائج الواردة في التقرير بدقة وعناية فائقتين لضمان اتخاذ خطوات من شأنها الدفع بمبادئ الحقيقة والعدالة والمساءلة ومنع تكرار الانتهاكات في هذه الوقائع وفي مسار بناء سورية الجديدة"، من دون نشر أي من خلاصاته. ووفق شهادات وثقها آنذاك ناجون ومنظمات حقوقية ودولية، فقد أودت أعمال العنف بأفراد عائلات بأكملها، بمن فيهم نساء وأطفال ومسنون. وحضت باريس السلطات على "إجراء تحقيق في الانتهاكات غير المقبولة المرتكبة بحق المدنيين" في السويداء، داعية إياها إلى "ضمان أمن وحقوق جميع مكوّنات الشعب السوري، بناء على ما التزم به الرئيس أحمد الشرع". قوات الأمن الحكومية تجلي عائلة سورية خارج مدينة السويداء (أ ف ب) نقطة تفتيش في قرية ولغة قرب مدينة السويداء (أ ف ب)