المراقب لأغلب شرائح مجتمعنا، اليوم، يجد أن حالة الانتظار هي التي تهيمن عليه، فالجميع يتشارك، بل يتزاحم، للجلوس على مقاعد محطة الانتظار. من انتظار المال، العمل، النجاح، الدراسة، السفر، والسعادة أيضا، متناسين أن قطار الحياة أصبح صاروخا عجزت محطات الفضاء عن إيقافه. وفي الوقت نفسه ومنذ ساعات الصباح الأولى، نردد عبارة «بسرعة.. أنا مستعجل!» في المنزل، في العمل، في المستشفى، في السوبر ماركت، في الشارع، في الجامعة، في المطار، وحتى عند زيارة الأهل والأصدقاء، كلنا مستعجل! ولو أردنا أن نحصي عدد المرات خلال اليوم الواحد التي نذكر فيها عبارة «بسرعة أنا مستعجل» لن نستطيع. لأنها أصبحت العذر الدائم والحجة الحاضرة المتداولة عند الجميع، بل أصبحت عذرا وتبريرا لتأخرنا ورفضنا وعدم قبولنا للنظام والالتزام والانضباط، وانعكاسا لحالة الفوضى التي أصبحت شعارا رسميا لأيامنا المتناثرة. «عاجل..» شريط الأخبار الأحمر مستعجل أيضا، وهو يواكب نموذج حياتنا المتعجل، اعتدنا زيارته المفاجئة في كل لحظة ملقيا ما لديه من أخبار مغادرا في عجالة ليعود مجددا بعاجل آخر. ترى ما نسبة المصداقية والدقة في تحري الحقيقة التي ولدت مع ذلك الخبر العاجل؟ بين حالة التناقض التي نعيشها من انتظار ممل وعجالة ضائعة أبرز نتائجها دفع عجلة النمو للفراغ، وخطوات التقدم للخلف، بينما يعيش الجانب الآخر من العالم في سباق سريع، فهناك الناس في عجالة مستمرة، ولكن لهدف جلي وحلم واضح وتنمية ملحوظة. سمعت أحدهم يقول ذات مرة على الرغم من الأعوام الطوال التي عشتها في أوروبا لم أسمع أحدهم يتعذر قائلا إنه في عجالة، وهم بلا شك الذين سبقونا أشواطا وأميالا في كل جوانب الحياة. النظام، العزيمة، المبادرة والإنجاز شعارهم الذي تعجلوا إليه، بينما تنتظرنا منذ أعوام وتستعجل حضورنا المتأخر، لنلحق بها ولا نطيل انتظارها، والأهم.. لتكن ثقافة التحدي ثقافتنا، وطريقنا للفوز بكل السباقات.