زوج يغطِّي زوجته بشماغه، وآخر يؤدب أبناءه، وثالث يمازح صديقه، وعاشر يقبِّل قدم والدته، وماذا بعد؟ ماذا بقي من خصوصيات المنازل والعلاقات لم تطله يد التقنية، ولم تنشره حسابات التواصل؟! ماذا يمكن أن يكون أكثر جذباً من تلك العناوين، التي يكون هدفها الأول اقتحام الخصوصية، أو إثارة «الآراء المتضادة»، والحصول على شرف «الترند»، و«السبق»، وأكبر عدد من الإعجابات والمتابعة. والأسوأ من أن تمسك بهاتفك لبث تفاصيل حياتك اليومية «متى استيقظت، وماذا أكلت، ومَنْ قابلت، وماذا لبست؟»، وكل تلك الخصوصيات، التي لا تعني أحداً سواك، أن تخترق خصوصيات الآخرين لبث مقطع، أو إعادة إرسال مقطع، يُعنى بخصوصيات الآخرين، كذلك أن تكون عاملاً مساهماً في انتشاره، وفي تكريس الصورة السلبية عنا بصفتنا مجتمعاً فضولياً ولا مبالياً. كما أن محاولة إضفاء نكهة المرح على طبق الحياة لا تمنحك أحقية اختراق الخصوصيات، أو نشرها، أو اصطناع بعضها. ولست هنا أطالب بالجدية الموغلة في الكآبة، ولا في إعطاء الأمور حجماً أكبر مما تستحقه، فالمرح مطلب، وكذلك البساطة لتسير الحياة بانسيابية أكثر، لكن المرح، واللامبالاة اللذين يضران بالآخرين، أو بصورة المجتمع أمام المجتمعات الأخرى لن يضيفا لنا شيئاً سوى صورة مشوَّهة، ومزيد من الاستخدامات السلبية لوسائل التواصل والتقنية. وحتى الآن لا أعلم لماذا جعلت منا التقنية كائنات فضولية، تسعى وتبحث عن كل ما يخترق الخصوصية، أو يلامس «الغرابة الاجتماعية» التي تظللنا، بالإضافة إلى انخفاض مستوى الاهتمامات، إذ أصبحت أشهر مواضيعنا في مواقع التواصل بلا هدف، أو محتوى يمكن الافتخار به.