سعدت بزيارة تم الإعداد لها من قبل مركز الأستاذ أحمد باديب للدراسات الإعلامية والنادي الأدبي بالأحساء، وهي الزيارة الأولى لي ليس للمنطقة الشرقية، بل لمدينة الأحساء أو هجر، التي تعتبر من أشهر وأكثر المناطق في المملكة إنتاجاً للتمور بأنواعها الحساوية، وأشهرها الخلاص. الأحساء الواحة الغناء الزاخرة بالخضرة والظلال والعيون، أرض الخيرات والجمال وأهلها الطيبين، وهي من أكبر المحافظات في المنطقة الشرقية وموطن عديد من الحضارات القديمة، وأهم المواقع الأثرية والتاريخية في تاريخ المملكة. حدانا الشوق لنرى الأماكن التاريخية المشهورة في القارة والدالوة والكوت، وقام وفد أدباء جدة، الذي كان على رأسه المستشار المثقف ابن جدة العريق الأستاذ أحمد باديب والدكتور عبدالمحسن القحطاني والفنان التشكيلي الجميل هشام بنجابي والعبدلله كاتب المقال، بجولات، حزني الحزن لما أصاب المنطقة من تصحر وقحط، إضافة إلى زحف العمران لحاجة الأحساء للميادين والشوارع فأزيلت مزارع النخيل بنسبة ثلثي الأراضي، لجفاف العيون التي كانت تبلغ مئات، وغطى سواد الآسفلت والإسمنت الواحات التي كانت تشتهر بها أرض هجر. وحين وقفنا على على مشروع الري والصرف الذي اهتم بتنفيذه الملك فيصل رحمه الله وكان من أوائل مشاريع خطط التنمية في بداياتها، وزادني حزناً أنه لم يبق منه سوى قناة واحدة منسوب الماء فيها أقل من المترين، ويصب فيها قنوات ماء الصرف المعالجة للحفاظ على منسوب الماء في قناة الري. من المناطق التاريخية المشهورة في محافظة الأحساء، جبل المشقر التاريخي وطبيعته الساحرة، ولمزيد من المتعة وكشف الأسرار هناك جبل القارة ذو الكهوف العملاقة وحيث يحلو التسلق بين أخاديد الجبل العجيب، ولسوء حظنا كانت المغارة مغلقة والتسلق ممنوع. عرفت الأحساء بتراثها العريق وفلكلورها الشعبي الذي تتميز به المنطقة، وفي الأحساء عديد من المتاحف الأثرية لأبناء المنطقة، أما قصر إبراهيم المعلم التاريخي العثماني، فهو يعتبر المعلم الفريد في طرازه وفخامة تشييده، ولأن الهفوف مدينة أثرية، ولها أهمية خاصة لموقعها على أحد أهم الطرق التجارية فقد تم بناء القلعة لحمايتها. شيد القصر في القرن العاشر الهجري ويشكل جزءاً مهماً في تاريخ الأحساء، وهو مبنى على شكل مربع، يأخذ طابع القلاع العثمانية العسكرية. اشتهر قصر إبراهيم التاريخي بقبة مسجده الكبير. كان لقاؤنا بوجهاء المنطقة الذين اشتهروا بالبشاشة وحسن الضيافة وطيب المعشر بكل فئاتهم، في ضيافة الشيخ سالم بن صبيح المري، مساء اليوم الذي وصلنا فيه للهفوف، كان اللقاء كافياً لمعرفة كيف يعيش أهل الأحساء والمنطقة في توادهم وتراحمهم والاحتفاء بضيوفهم. وكما غمرنا أهل الأحساء بلطفهم وكرمهم، كان الصديق الأديب الناقد والأكاديمي العصامي الدكتور ظافر الشهري رئيس نادي الأحساء الأدبي قد أعد لنا برنامجاً لزيارة المنطقة، وسخر لنا من جهده ووقته هو وزملاؤه أعضاء النادي ما أبهجنا، وهذا النادي الحديث العهد، يضرب اليوم أروع الأمثلة في أن الدور الذي تقوم به الأندية في المجتمع كبير وفعال إذا سخر لها رجال يعملون ويجتهدون من أجل ثقافة منطقتهم، والإسهام في النهوض بالحركة الأدبية والمشهد الثقافي قولاً وعملاً. وفي جامعة الملك فيصل بالأحساء أدركت أنا وزملائي، أن الأحساء بعزم واجتهاد أبنائها يقومون بأعمال من شأنها أن تكون قدوة لعطاءات المؤسسات الثقافية والأكاديمية والاقتصادية الرائدة، وكثير من الأعمال التي ثبت نجاحها في الأحساء، وجرى استثمارها واستنساخها في مناطق ومدن أخرى.