الإدارة على اختلاف تعريفيها بين الجهة التي تدعي أنها مهارة والجهة التي تدعيها علماً، هي سلوك قادر على وضع أهداف استراتيجية صحيحة وخطط للوصول لهذه الأهداف ضمن مواصفات ومقاييس وزمن محدد، في هذا السياق يبرز من جهة مفهوم الفساد الإداري بمعناه المتعلق بمخالفة القوانين من أجل تحقيق منافع شخصية أو فئوية ومن جهة أخرى الضعف الإداري الذي نتيجته عدم القدرة على تحقيق الأهداف المرجوة وبالنتيجة بعثرة أموال ومصالح الشركة. في الجانب التطوعي يبادر كثير من «الصلحاء» عادة للانضمام لأي جهة تُقدم فعلاً من أفعال الخير للمجتمع، هذا الأمر ولَّد استحواذاً شبه كامل من قبل هذه الشريحة على أغلب المؤسسات الخيرية في الوطن، المشكلة هنا هي حينما لا يكون هذا «الصالح» يملك قدرات إدارية جيدة، ما يجعله بالنتيجة يبعثر أموال هذه المؤسسة أو ربما يفوِّت كثيراً من الفرص لتحقيق مكاسب عالية لها، الأمر الذي يجعله لا يختلف كثيراً عن الفاسدين بل ربما يكون أسوأ منهم أحياناً، فخسارة مليون ريال بسبب الاختلاس لا تختلف عن خسارتها بسبب الجهل الإداري والتخبط في القرارات. الصلحاء يعرِّفهم الناس بأنهم المنضبطون سلوكياً الذين يخشون الله سبحانه وتعالى فيما يفعلون، في إدارة المنظمات لا نحتاج للصلحاء بهذا المعنى فقط، بل نحتاج لمن يعي كيف يُدير المؤسسة الخيرية بكل اقتدار وكفاءة، إن المصير الذي أدَّت إليه إدارة «الصلحاء» هو تحول نسبة من الجمعيات الخيرية إلى منظمات لا تتمتع بأدنى مستويات التنظيم الإداري، الجمعيات كما أعتقد بحاجة ماسة إلى إدارتها بأسلوب الشركات، فالمال يحتاج إلى استثمار ذكي يقوم به خبراء في هذا المجال، وتسويق التكافل كمصدر مهم من مصادر الدخل يحتاج كذلك لنخبة من الكفاءات أصحاب الخبرة في التسويق، والقسم المالي يحتاج لأشخاص قادرين على دراسة التكاليف وإعداد الميزانيات بشكل دقيق بحيث يسهم ذلك في استثمارات ناجحة ومربحة، وكل ذلك لن يتحقق إلا بتحويل الجمعيات الخيرية إلى شركات لا تختلف في إدارتها عن إدارة أي شركة ربحية. إنَّ «الجودة» هي حزمة من المعايير التي بتحقيقها تكون هذه الجهة ذات كفاءة، في اعتقادي أن أي جمعية خيرية تحتاج إلى معرفة معايير الجودة المطلوبة لكي تستطيع وضع خططها وتقييم أدائها بالنسبة إلى ذلك، المشكلة هنا هي حينما لا تكون هذه الإدارة تعي معنى الجودة، حينها سيكون منسوبوها منشغلين بالحديث عن إنجازاتهم الكثيرة بينما ما يسمونها إنجازات هي ليست سوى سلسلة طويلة من الفشل المتراكم. تقدير جهود المخلصين هو واجب أخلاقي مهم، وأنا هنا لا أدعو لتجريم أحد، ما أدعو إليه هو أن يعي المجتمع لا سيما «الصلحاء» أن الإدارة هي علم ومهارة وخبرة، وإذا كنتم أيها «الصلحاء» لا تملكونها فأحرى بكم أن لا تضعوا أنفسكم في هذا الموضع، لأنكم بذلك ستكونون «الصلحاء المختلسين»، ليس لأنكم والعياذ بالله أخذتم مالاً من غير وجه حق، بل لأنكم وضعتم أنفسكم في غير موضعها ففوتم على هذه المنظمة كثيراً من الفرص والمنافع.