في داخل كل واحد منا حنين فلسفي إلى فكرة الخلود، ما جعل الأميرة (صوفيا شارلوتنبرج SOPHIA CHRLOTENBURG) تُسِرُّ لفيلسوف التنوير (لايبنيتس LEIBNITZ) أثناء حوارات فلسفية عميقة، أنها تنتظر الموت كتجربة تغنيها في فهمها لمعنى الوجود وتنضم إلى مكونات الشخصية، وتبقى الذاكرة الأخيرة، والتجربة النهائية، التي تنضم للتجارب والذكريات بدون عودة منها. إنها تتلهف على الموت؛ فهو سيبوح لها بكثير من الأسرار، ويحل لها كثيراً من الاستعصاءات العقلية، والعقد غير المفهومة، من أسرار التاريخ، وألغاز العلم، التي لم يوفق الفيلسوف في حلها؟ رحلة الموت عندها تبقى شيقة جديرة بالإثارة، لما تتوقع فيه من كشف الغطاء؛ فبصر الإنسان يومها حديد. هكذا كانت تسر لي زوجتي ليلى سعيد -رحمها الله- بنفس المعاني، أن أشياء كثيرة من أسرار التاريخ سوف تراها واضحة بعد الموت؟ وتقوم البيولوجيا حالياً بإثارة ضرب من الخيال مثير من خلال عالم (الشهادة) بإمكانية مد اليد إلى أحد أسرار الخلية، ودفعها إلى الشباب المتجدد، والعمر المديد، والصحة الوافرة، راهن عليها مليونير البترول من تكساس (ميللر كوارليز MILLER QUARLES) فدفع بسخاء مائة ألف دولار لتشجيع أبحاث شركة (جيرون GERON) في إنتاج هذا الترياق الجديد لتجديد نبع شبابٍ دائم لا يعرف النفاد. هذا الاتجاه في البحث يخدم في كسر التحديات الأربعة: الألم المرض الشيخوخة الموت. إنها أربعة تحديات رسمت نفسها أمام الإنسان في التاريخ: الألم مع المرض والضعف مع الشيخوخة وانقطاع النفس وتسليم الروح مع الموت. استطاع الإنسان من خلال نضاله الطويل أن يتحرر من الألم، ويقهر المرض في ساحات كثيرة، وهو الآن يمد يده لكشف اللثام عن أسرار انهدام الجسد، وجدلية الشباب والشيخوخة، في قفزة أخيرة لمعرفة ماذا يعني الموت؟ ولماذا الموت؟ ولماذا يراهن الدين على فكرة الخلود كنبع فلسفي للفكر الإنساني يعطي معنى للوجود. هل يمكن أن نمسك بالقانون الذي يقوم بتجدد الحياة المستمر؟ في الواقع فإن الحياة تتجدد وتستمر بتجدد وانقسام وتكاثر الخلايا؛ فجسدنا قميص نسيجه الدقيق خلايا تصل إلى 100 مليون مليون خلية، والخلايا أنواع في تجددها، منها الذي يتجدد في أيام مثل خلايا الجهاز الهضمي، ومنها كل 120 يوماً كما في الكريات الحمر، ومنها الذي لا يتجدد إطلاقاً كما في الخلايا العصبية، وإن كانت المسلمة الأخيرة قد تم كسرها، عندما تكاثرت الخلايا العصبية خارج الجسم، فما الذي يقضي على تجدد (قميص الجسد)؟ هل هو الاستعمال المتكرر فيفضي إلى البوار؟! أم توقف قدرة التجدد بعد حين بتوقف التكاثر الخلوي؟ هذا إذا تأملنا الموت كنهاية طبيعية لرحلة سفينة استقرت على شاطئ الموت، وليس موتاً قاصفاً كغرق سفينة طوتها أمواج العاصفة؛ فغرقت في اليم، أو بالموت المفاجئ بالقتل وحوادث الطرق والتسمم؛ فهذه تخضع لسؤال مختلف حاول الخيال العلمي حل إشكاله، بإحضار الجسد المصاب، كما في حوادث السيارات وإعادة إصلاحه فيعود إلى العمل؟! ويتبخر من الإمكانية المباشرة الحرق الكامل، أو الإذابة بالحمض، أو التفسخ اللا متناهي؛ فهنا يقوم الاستنساخ الجسدي بتوليد نسخة جديدة مشابهة تماماً تكفي فيه خلية يتيمة واحدة؟!