أرى أنَّ التساؤل باستغراب عن المبرر الذي يحدو مواطنا بريطاني الجنسية إلى التحول إلى إرهابي ليذبح فيما بعد صحفياً أمريكيا أعزل ليس له علاقة بالحرب وبسكين مطبخ بكل سعادة ونشوة تساؤل منطقي، فمن يستمرئ ويستجيز مثل هذا العمل ليزاول بعده حياته المعتادة هو شخص وصل إلى مرتبة عالية من التشبع بالإجرام، بحيث غدا إزهاق الروح الإنسانية بالنسبة إليه لا يختلف عن قطع ورقة شجر، هذا المستوى كما أظن يتعذر تصور إفرازه من مجتمع كالمجتمع البريطاني، بريطانيا مملكة الديمقراطية والحقوق والرفاه الاجتماعي، في هذا السياق يبرز مصطلح (سمسرة الإرهاب) على السطح كمبرر مهم لوجود هذه النماذج الإرهابية حتى في أرقى المجتمعات وأكثرها توفيراً لسبل الحياة الكريمة. السمسرة أو إن شئنا تلطيفها بعنوان التسويق، ينضوي تحتهما جملة كبيرة من التعريفات والشروحات التي ربما كان أوضحها، هي خلق حاجات ضرورية في نفس الإنسان تدفعه للتملك، ما يقوم به المسوق هو محاولة إقناع شخص أو جماعة أنَّ سلعته ضرورية وأنَّ الحاجة إليها ملحة، وبطبيعة الحال فإنَّ جذب الناس للسلعة متفاوت من شخص لآخر بناءً على الموهبة والقدرة، غير أنَّ الجانب الذي يجعل المسوِّق أكثر جذباً للناس هو الجانب الديني من خلال إنزال حالة من القداسة على سلعة ما أو سلوك، وإقناع الناس كذباً أنَّهما محل رضا الله سبحانه وتعالى وسبب للفوز غداً برحمته ورضوانه، حينما يكون الأمر كذلك تصبح السمسرة أمراً خطيراً جداً، فالإنسان -أي إنسان- يُدرك أنَّ الحياة الدنيا حياة زائلة، وأنَّ الدار الآخرة هي دار الخلود، ونعيمها اللامتناهي هو ما ينبغي السعي إليه حتى وإن كان بإزهاق النفس، حينما يكون الأمر كذلك فإنَّ هذا المسوِّق يستطيع اجتذاب مجموعة لا بأس بها من الناس الذين ربما دفعهم حب الخير والتدين لتلبية دعوات هؤلاء، لذا فإنَّني أعتقد أنَّ المنابر الناصحة والمنبهة للناس بشتى أنواعها من مساجد وإعلام تلفزيوني وصحافة ينبغي أن يكون بموازاتهم جميعاً عيون أمنية ساهرة -وهو بلا شك ما هو موجود-، تستطيع معرفة هؤلاء المُغرِرِين بالشباب الذين يلاحقونهم في كل مكان من أجل اقناعهم بمبادئهم الإرهابية، وبموازاة هؤلاء ينبغي أن يكون هناك كذلك المواطن المسؤول الذي يكشف عن أي محاولة مشبوهة للتغرير بالأحداث لا سيما وأن كثيرا من تلك السلوكيات المشبوهة تكون لافتة للنظر وتثير الريبة. هؤلاء المغررون هم الخطر الحقيقي على البلاد وهم القادرون على إتلاف المجتمعات الإنسانية مهما كانت حكوماتها عادلة، وتمنح شعوبها الرفاه والعيش الكريم، في مثال البريطاني -ذابح الصحفي- لا شك ولا ريب أنَّ هناك من دعاةِ الإرهاب من وصلت أيديهم له ولغيره فغرروا بهم وغسلوا أدمغتهم فجعلوا الإرهاب في أنفسهم كالدم في العروق، نموذج هذا البريطاني تشبهه جميع نماذج الإرهابيين في عالمنا الإسلامي الواسع، كلهم أصبحوا كذلك من سماسرة الإرهاب ودعاته، كلهم أصبحوا كذلك من منابر الإرهاب ومسوِّقي رضا الله سبحانه وتعالى والفوز بجنانه بالكذب والدجل. تحت عنوان («الداخلية» : القبض على 8 محرضين على القتال مع الجماعات المتطرفة) نشرت الشرق في 2014/8/27 – العدد 997 بياناً صادراً من وزارة الداخلية جاء فيه (القبض على (8) مواطنين ممن يقومون بالتغرير بحدثاء السن للانضمام للمجموعات المتطرفة في الخارج)، ولا شك أنَّ خبراً كهذا هو خبر مفرح لكل مواطن، فنموذج الابن الذي تفتقده عائلته لتجد صوره فيما بعد مقتولاً في حروب الخارج تكرر، بحيث أصبحت كل أسرة تخشى أكثر ما تخشى من أن تصحو صباح يوم لتجد رسالة من ابنهم بالهجرة خارج البلاد للجهاد، وكل ذلك يعود في سببه الرئيس إلى سماسرة الإرهاب ودعاته ممن ينبغي أن لا يكون الهواء الطلق مباحاً لهم ليتنفسوه من حولنا. ما زال سماسرة الإرهاب يمثلون خطراً يفوق بكثير خطر جميع أنواع القتل والإجرام، هؤلاء السماسرة هم من أغرى الشباب وغسلوا أدمغتهم ودفعوهم للهجرة، تعاون الجميع من مواطنين ورجال أمن أمر غاية في الأهمية لإيقاف هؤلاء، وما جرى في منطقة تمير حينما تعاون الأهالي وشكوا تلك الخلية إلى الجهات الأمنية هو فعل وطني رائع يستحق عليه هؤلاء الشكر، تكرار هذا العمل من جميع المواطنين في شتى مناطق المملكة يستطيع مُحاصرة هؤلاء السماسرة وإنقاذ شبابنا منهم، كل الدعاء والأمنيات بأن يحفظ الله بلادنا والعالم أجمع من شر الإرهاب والإرهابيين.