هناك قصة شهيرة من قصص الخيال العلمي تحكي عن نوع جديد من المغامرات في المستقبل، يعود فيه السياح عبر آلة الزمن إلى الماضي ليقوموا بصيد الديناصورات، ولأن العودة إلى الماضي تحمل خطر تغيير أحداث التاريخ؛ فإن الإجراءات الأمنية تكون مشددة وتسمح للسياح بحركات محدودة جداً وبصيد الديناصورات التي ستكون موشكة على الموت فقط. لكن خللاً بسيطاً يحدث مع أحد السياح فيخرج عن خط سير الرحلة لخطوات بسيطة ويعود سريعاً، لكنه في تلك الخطوات يقوم بدعس فراشة من فراشات العصر القديم بحذائه دون أن يشعر، ذلك الحادث البسيط يؤدي لنتائج رهيبة تفاجئهم عند عودتهم إلى المستقبل فيجدوا أن اللغة الإنجليزية نفسها تغيرت في مفرداتها وأن رئيس البلاد الحاكم لم يعد هو نفسه، كذلك بل حل مكانه شخص مختلف!. كل هذه التغييرات حصلت بسبب تداعيات أثر الفراشة التي أزهق روحها السائح الأخرق. تلك القصة وعشرات القصص المشابهة لها في الأدب، تنطلق من نظرية علمية حديثة تحمل نفس الاسم، وتتلخص فكرتها في أن كثيرا من التغيّرات الكبرى في الأحداث تكون ناتجة عن أفعال مبدئية بالغة الصغر ولا يكاد يلتفت إليها، ولكن أثرها يأخذ في التصاعد مع مرور الوقت. ويضرب الفيزيائيون المثل لتلك النظرية بكرتين يتم دحرجتهما من فوق قمة جبل، ففي البداية تكون الكرتان متقاربتان جداً ولكن أي انحراف بسيط يصيب إحدى الكرتين سينتج في النهاية تبايناً كبيراً في المكان الذي ستستقران فيه عند سفح الجبل ربما يبعدهما عن بعضهما عشرات الكيلومترات. نظرية أثر الفراشة ليست نظرية فيزيائية مصمتة بل يمكن تطبيقها على كثير من الأحداث والمواقف في التاريخ، فالحرب العالمية الأولى التي استمرت سنوات وغيرت وجه العالم للأبد وحصدت ملايين الأرواح بدأت بعملية اغتيال يتكرر مثلها كل يوم ولم يتوقع لها أحد أن تفعل ما فعلت. أما لو أردت أن توسع النظرية قليلاً وتجعلها أكثر محلية فيمكنك أن تتساءل كم عدد القرارات التي اتخذت قبل خمسين عاماً أو لم تتخذ كان من الممكن أن تغير حياتنا للأفضل. كم من المسائل المعقدة والمتشابكة في حياتنا اليومية كان من الممكن أن تختفي لو أننا اتخذنا القرار الصحيح في الوقت الصحيح بدلاً من أن ندفع الثمن مضاعفاً وندور في حلقات مفرغة بلا جدوى. تخيل لو أن أنظمة العمل والخدمة المدنية والتقاعد اقتبست من نظام شبيه بأنظمة أرامكو بدلًا من الأنظمة المصرية القديمة، كيف سيكون حال البلاد كلها اليوم؟ تخيل لو أن من قاموا بتخطيط المدن أدرجوا في مخططاتهم هيكلة محطات لقطارات المترو والحافلات منذ ذلك الوقت. تخيل لو أن نظام الجنسية كان أكثر حيوية وعملية في منحها لمن يستحق وساوى بين أبناء المواطن وأبناء المواطنة في حق حمل الجنسية، كم من المشكلات ستختفي تماماً اليوم وكم حيوات لأناس كثيرين ستتغير للأفضل؟ ترى كم فراشة ينبغي أن نسحقها تحت أقدامنا حتى نفيق ونبدأ السير في الطريق الصحيح قبل فوات الأوان؟