أهالي محافظة طريب يطلقون مبادرة عودة سوق الاثنين الشعبي يوم الاثنين القادم    الشؤون الإسلامية في جازان تشارك في البرنامج التوعوي للوقاية من التدخين    الذهب الجديد    رؤية 2030 والسيادة الرقمية    إعلان الفائزين ب «جائزة اليونسكو الفوزان الدولية» التي تدعمها المملكة    الفريق الفتحاوي يصل الرس ويستكمل استعداداته لمواجهة الحزم    رسالة من رياض محرز إلى جماهير الأهلي    ضبط 21.6 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل والحدود خلال أسبوع    الترجي يغلق قضاياه الدولية والمحلية ويقترب من تسجيل اللاعبين    الفخر بطبيعتنا هوية وطن    صحف عالمية: الأهلي يقلب الطاولة على الهلال في "قمة لا تُنسى"    البرلمان العربي يُرحِّب بتقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن الإبادة الجماعية في غزة    المركزي الروسي يرفع سعر الدولار ويخفض اليورو أمام الروبل    أمطار رعدية غزيرة على عدة مناطق    بوبا العربية تعقد شراكات تقنية وصحية في مؤتمر "Money 20/20" بالرياض    استشهاد 11 فلسطينيًا بينهم أطفال ونساء في غزة    جودة التداوي والكسب المادي    حق التعليم لا يسقط بالتقادم أين مرونة القبول    أثر الحوار في تعزيز المشاركة لدى طلاب الثانوي    الملحقية الثقافية السعودية: 201 مبتعث ومبتعثة في نخبة جامعات كندا    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    محافظ الطائف يتوّج الجواد "تلال الخالدية" بكأس الأمير عبدالله الفيصل و"وثاب المشاهير" بكأس الملك فيصل    18حكماً يشاركون في إدارة مباريات خليجي تحت 17 عاماً    اليوم السبت .. انطلاق بطولة الخليج للناشئين    البرتغال: سنعترف رسميا بدولة فلسطين    ماريسكا: حياة والدي الصياد كانت أصعب    الرويلي يشهد حفل تخريج دورة التأهيل العسكري للأطباء الجامعيين ال 12 من طلبة كلية الأمير سلطان العسكرية للعلوم الصحية بالظهران    مستشفى الدرب العام يشهد مبادرة "إشراقة عين" للكشف المبكر عن أمراض العيون    ضبط (5) مخالفين لنظام أمن الحدود في عسير لتهريبهم (100) كجم "قات"    المرور : ترك الطفل وحيدًا داخل المركبة.. خطر يهدد حياته    قطاع تهامة الإسعافي يفعل اليوم العالمي للإسعافات الأولية    إمام المسجد النبوي: القرآن أعظم الكتب وأكملها ومعجزته باقية إلى يوم القيامة    الجهني: أوصي المسلمين بتقوى الله والاعتصام بالكتاب والسنة    جدة تغني حب وحماس في ليلة مروان خوري وآدم ومحمد شاكر    في النظرية الأدبية.. بين جابر عصفور وعبدالله الغذامي    محافظ بيشة يدشن جمعية التنمية الزراعية "باسقات"    خطباء الجوامع: وحدة الصف وحفظ الأمن من أعظم نعم الله على المملكة    جمعية نمو للتوحد تحتفي باليوم الوطني ال95    جلسات منتدى حوار الأمن والتاريخ.. إرث راسخ ورؤية مستدامة للأمن والتنمية    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع مجلس هيئة تطوير المنطقة    اختتام ورشة عمل بناء العمل الفني بالمدينة المنورة    نائب أمير تبوك يكرّم الفائزين بجائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز للتميز في العمل الاجتماعي    نائب أمير تبوك يدشن حملة التطعيم ضد الانفلونزا الموسمية    مجلس الدفاع الخليجي المشترك يقرر تحديث الخطط الدفاعية وتبادل المعلومات الاستخبارية    ما مدى قوة الجيش السعودي بعد توقيع محمد بن سلمان اتفاق دفاع مع باكستا    أمير منطقة المدينة المنورة يرعى حفل تكريم الفائزين بجائزة جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز للتميز    قطر: حرب إبادة جماعية    السعودية تطالب بوضع حد للنهج الإسرائيلي الإجرامي الدموي.. الاحتلال يوسع عملياته البرية داخل غزة    فرنسا: حملة تدميرية جائرة    "سترونج إندبندنت وومن"    زراعة «سن في عين» رجل تعيد له البصر    سارعي للمجد والعلياء    نائب أمير تبوك يكرم تجمع تبوك الصحي لحصوله على جائزة أداء الصحة في نسختها السابعة    أمير جازان يرأس اجتماع اللجنة الإشرافية العليا للاحتفاء باليوم الوطني ال95 بالمنطقة    وجهة نظر في فلاتر التواصل    خطى ثابتة لمستقبل واعد    محافظ الأحساء يكرّم مواطنًا تبرع بكليته لأخيه    إطلاق مبادرة تصحيح أوضاع الصقور بالسعودية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غدًا سأحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم

وُلِد الهُدى فالكائنات ضياءُ * وفَمُ الزمانِ تبسُّمٌ وسناءُ
يا خيرَ من جاء الوجودَ تحيةً * من مُرْسَلِين إلى الهدى بك جاؤوا
يومٌ يَتِيهُ على الزمان صباحُهُ * ومساؤه بِمُحمَّدٍ وضَّاءُ
سألت نفسي سؤالاً: لماذا لا أحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم؟ أيعقل أن كل المحتفلين به على خطأ؟!
لماذا لا نعلن حُبَّنا للرسول صلى الله عليه وسلم مثلهم؟! ونثبت لهم أننا نحبه.
فهم يتهموننا أننا لا نحبه!!
أستغفر الله .. معاذ الله .. أن يتهم مسلمٌ مسلماً أنه لا يحب النبي صلى الله عليه وسلم؟!
فكَّرت وقدَّرت.. ثم قرَّرت أن أحتفل رغم كون الفكرة لم تَحْظَ بقناعتي حتى الآن، لكني سأحتفل.
ولماذا لا أحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم؟
دعونا نحتفل! فقد يكون الحق والصواب مع المحتفلين؟
لديَّ عقلٌ وإدراك، وقد درست الشريعة وعرفت بعضاً من أحكامها، و لا أدعي إحاطتي بعلومها.
ولكن بما لدي من بصيص علم - ولاسيما القواعد الكلية والمبادئ العامة للشريعة - سأجرب أن أحتفل.
يا تُرى كيف سيكون احتفالي؟!
سأحاول وأنا أحتفل بالمولد ألَّا أرتكب منكرًا وألَّا أغشى زُوْرًا.
غداً هو يوم الثاني عشر من ربيع الأول،
وسأبدأ فيه احتفالي أولاً بقراءة كتب السيرة النبوية والشمائل المحمدية صلى الله عليه وسلم.
ولكني لن أتغنى بقصيدة البُرْدَة للبُوْصِيْري, فقد درستُ العقيدة وعلمت بأن فيها ما يناقض التوحيد والعقيدة والعياذ بالله.
حسنًا.. سأبدأ بقراءة كتاب "الرحيق المختوم"
لكني لما قرأته تفاجأت إذ وجدت مكتوباً فيه:
((ولد سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم بشِعْبِ بني هاشم بمكة في صبيحة يوم الاثنين التاسع من شهر ربيع الأول)).
قلت في نفسي: المشهور المعروف عند الناس أنه وُلِد صلى الله عليه وسلم في يوم الثاني عشر من ربيع الأول؟!
فعرَّجْت على كتبٍ أخرى في السيرة كالإمام ابن كثير الشافعي وغيره، فإذا بها تذكر اختلافاتٍ شتى في تاريخ مولده: أكانت ولادته صباحاً أم مساءً؟ أكانت في ربيع الأول أم ربيع الآخر أم في صفر أم في رمضان؟ وبكلٍّ قيل، بل اختلفوا في تحديد عام ولادته؟.
اختلف علماء السير والتاريخ في تحديد سنة ولادته وشهر ميلاده ويومه وساعته.
ولما علمتُ أن عمر رضي الله عنه أرَّخ بهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم بإقرارٍ من الصحابة، ولم يؤرِّخْ بمولده صلى الله عليه وسلم، أدركتُ أن الصحابة رضي الله عنه لم يكونوا يعلمون جزماً يوم ولادته، بل لم يكونوا يرون أنّ ضبط تاريخ مولده صلى الله عليه وسلم له أهميةٌ يترتَّب عليها حكمٌ شرعي.
فقلت: إذن لماذا أحتفل في الثاني عشر ولا يوجد سند تاريخي يؤيده!! فتضعضعت قناعتي.
ولكني سأستمر في القراءة والبحث والاحتفال.
إن كتب السير والتاريخ بل وكتب الحديث الشريف أجمعت على أن ولادته صلى الله عليه وسلم كانت يوم الإثنين، وكان حبيبنا صلى الله عليه وسلم يصومه شكراً لله؛ ولمَّا سئل عن ذلك ؟ قال « ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَىَّ فِيهِ» رواه مسلم.
ولم أجد فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرَّى صيام الثاني عشر من ربيع الأول مرةً في السنة، بل كان يصوم كل إثنين بمناسبة ولادته وبعثته فيه.
لكنَّ كثيرًا من المحتفلين بالمولد في كل عام مرة أو أكثر! ربما لا يحرصون على صوم يوم الإثنين من كلِّ أسبوع! أليس هذا قلباً للحقائق؟! ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾.
ثم إن صاحب المولد صلى الله عليه وسلم لم يُضِفْ إلى الصيامِ احتفالاً كاحتفال أرباب الموالد من تجمعاتٍ ومدائحَ وذبائحَ وحلوى وحمص وأذكارٍ وصلواتٍ عليه صلى الله عليه وسلم بألفاظٍ غريبةٍ ومحدثة.
ثم سألت نفسي: أفلا يكفي الأمةَ ما كفى نبيَّها، ألسنا نحب المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ ﴿وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.
ومن عجيب ما قرأت ورأيت في بعض البلدان العربية والإسلامية أنهم يحتفلون بالمولد بإقامة حفلات غنائية أو إنشادية تصحبها دفوف ومعازف موسيقية.
فقلت في نفسي: أليس المصطفى صلى الله عليه وسلم قال «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف». رواه البخاري تعليقا ووصله غيره، وهو صحيح.
لقد رأيتهم يتراقصون ويتمايلون ويتواثبون، لقد كانوا رجالا ونساء، أيعقل هذا ؟!.تساءلت أيرضى أحدهم أن يراه رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الحال؟!
يا راقصا أو زاحفا لتَعَبّدٍ ** ما كان هذا من صنيع محمد
ما كان يرقص بالدفوف عبادة ** أو كان يزحف للقبور بمسجد
ثم أعدت السؤال على نفسي مرة أخرى:
لماذا لا أحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم بطريقة أخرى؟ بلا معازف، ولا رقص، ولا بردة.
سأفرح بيوم ميلاده صلى الله عليه وسلم، وسأحتفل – كما احتفل صاحب المولد صلى الله عليه وسلم - كل إثنينٍ بصيامه كل أسبوع قدر استطاعتي.
حسنا.. أمسكت بكتاب آخر عن الشمائل المحمدية وبدأت أقرأ فيه، فاليوم هو الثاني عشر من ربيع الأول.
لكن عقلي شرد سابحا في تفكير عميق: يا ترى هل سأقتصر على قراءة كتب السير والشمائل المحمدية في هذا اليوم السنوي فقط؟!
يا ألله! هل حبي وكثرة ذكري للنبي صلى الله عليه وسلم فقط في هذا اليوم؟!..ألست أحبه وأذكره كل يوم؟! أيُّ معنىً لتخصيص يومٍ واحدٍ في السنة نتذكر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.
هل نسيناه حتى نتذكره؟!
هل يجوز ألَّا نفرح به صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة في السنة؟
هل هذه الطريقة فيها توقير للمصطفى صلى الله عليه وسلم أم أنها إجحاف بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم؟
هل أصبحت محبة النبي صلى الله عليه وسلم يوماً في السنة؟! وهو القائل: «البخيلُ مَنْ ذُكِرتُ عنده ولم يُصَلِّ عليَّ».
فبالله عليكم! أي بخل تصفون به من يقول نخصص للنبي صلى الله عليه وسلم يوماً واحداً أو يومين أو ثلاثًا أو عشرًا أو عددًا محدودًا في السنة نحتفل به صلى الله عليه وسلم ونقرأ سيرته، ونصلي عليه صلى الله عليه وسلم؟ أليس هذا بُخلاً وإجحافًا في حقِّ نبينا الهادي صلى الله عليه وسلم؟!.
يجب على الأمة المسلمة أن تجعل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نصب أعينها في كل حين، وأن تتعلم من سيرته وسنته وآدابه ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.
ينبغي أن نذكر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاتنا، وإذا سمعنا الأذان، وإذا دخلنا المسجد، ونذكره في أوقات كثيرة، بل يكون ذكره صلى الله عليه وسلم برؤية من يمتثل سنته صلى الله عليه وسلم.
فمثلاً إذا رأيتَ شابًّا مؤمنًا يتمثل في مظهره سنة صلى الله عليه وسلم معفياً لحيته، مقصراً ثوبه، مُسْتاكًا بأراكه، فإنك سرعان ما تتذكر النبي صلى الله عليه وسلم.
وإذا رأيت القرآن تذكرت النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه هو الذي جاءنا بهذا القرآن، فمتى يغفل المؤمن عن ذكرى النبي صلى الله عليه وسلم!!
فيجب علينا أن تكون محبته صلى الله عليه وسلم تملك شغاف قلوبنا، وكل أمر من أمورنا نزنها بميزانه، ونطبقه على سنته صلى الله عليه وسلم، فيكون تذكرنا له في الحقيقة في كل وقت، وفي كل عمل.
فإذا رأيت امرأة في الطريق أو على الشاشة أتذكر أنه صلى الله عليه وسلم أمرني أن أغض بصري، فأغضه. وإذا أردتُ أن أخيط ثوباً عند خياطٍ أتذكر نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن إسباله، فأقصره. وإذا تعاملت مع الجمهور أتذكر نبيي صلى الله عليه وسلم المبسام، فأبتسم في وجوههم. وفي البيت وبين أهلي أتذكر حبيبنا صلى الله عليه وسلم كيف كان خيرنا لأهله.
وهكذا يا حبيب رسول الله في كل أمر من الأمور نحن ملزمون باتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾.
ثم كرَّةً بعد مرَّة أسائل نفسي: لماذا لا أحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم؟
وقبل أن أجيب، جال بخاطري سؤال وأنا أفكر في الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو:
هل نحن لمّا نحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم نبتغي بذلك أجراً وثواباً وقربى من الله أو أننا نحتفل لمجرد العادات وأكل الحلوى والرز بالحمص والتلهي بالألحان الشجية المطربة؟
أظن في الناس خيراً، إنهم ينشدون بفعلهم هذا الأجر من الله تعالى.
عندئذ تذكرت حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد» رواه الشيخان. وقوله:« مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» متفق عليه.
نعم تذكرت هذين الحديثين، وتذكرت ما قرره العلماء من أن جميع العبادات توقيفية، أي لا نعبد الله ولا نتقرب إليه إلا بما أمرنا به صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قال: «ما تركتُ شيئاً يُقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به» رواه الطبراني.
فالقاعدة في العبادات أن نتعبد الله بما شرع لا بالبدع، حتى لو بدا العمل حسنا، فهو مردود على صاحبه.
وسمعت أرباب الموالد يقولون: إن المولد بدعة حسنة.
لكني قرأت حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يردده ويفتتح به خطبه، يقول:
«أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» رواه النسائي وغيره. قال: "كل بدعة ضلالة".
وتذكرتُ قول إمام دار هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو عالم المدينة في عصره الإمام مالك بن أنس رحمه الله، قال: ((من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة )). هذا شيء خطير جداً، ما الدليل على ذلك يا إمام؟ قال الإمام مالك: (( اقرؤا إن شئتم قول الله تعالى:﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً﴾ فما لم يكن يومئذٍ ديناً لا يكون اليومَ ديناً)). متى قال الإمام مالك هذا الكلام؟ قاله في القرن الثاني من الهجرة، أحدِ القرون المفضلةِ المشهودِ لها بالخيرية! فما بالكم بالقرن الخامس عشر؟!
هذا كلامٌ يُكتب بماء الذهب، لكننا عن أقوال الأئمة الذين نزعم أننا نقتدي بهم غافلون.
تذكرت كل هذه المعاني فخفت والله أن أكون مبتدعا في احتفالي.
خفت أن ينطبق فيَّ قول الله تعالى﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾.
وخشيت أن يصدق فيَّ قول ابن مسعود رضي الله عنه ((كم من مريد للخير لا يصيبه!!)).
فقررت أن أترك الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم.
لكني واصلت قراءة سيرة المصطفى العطرة صلى الله عليه وسلم.
وعدت واتهمت نفسي بالقصور في العلم، وطفقت أبحث عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والأئمة الأربعة (أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد) عليهم رحمة الله، فهالني أنني لم أجد حديثاً واحداً لا صحيحًا ولا ضعيفًا بل ولا موضوعًا أن النبي صلى الله عليه وسلم احتفل بمولد نبيٍّ من الأنبياء، ولم أجد أثراً واحداً لا صحيحًا ولا ضعيفًا بل ولا موضوعًا عن صحابيٍّ واحدٍ أنه احتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، بل لم أجد إماماً واحداً من الأئمة الأربعة فعل ذلك.
فقلت يا سبحان الله!
أمرٌ لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا صحابته الكرام رضي الله عنهم، ولا إمامٌ من الأئمة الأربعة المتبوعين، وأفعله أنا، لا والله.
ومع ذلك أكملت قراءتي وأنهيت قراءة الغزوات وفتح مكة، و ها أنا ذا قاربت من نهاية كتاب السيرة الذي بين يدي.
إنها اللحظات الأخيرة الحرجة في حياته صلى الله عليه وسلم, إنها الساعة التي أظلم فيها كل شيء، ساعة وفاته صلى الله عليه وسلم.
إنها الداهية العظمى والمصيبة الكبرى التي قال لنا فيها صلى الله عليه وسلم:« إِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ مُصِيبَةٌ فَلْيَذْكُرْ مُصِيبَتِهِ بِي فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ».
حقًّا إنه يوم الخسران الأكبر، يوم أن انقطع الوحي الشريف، وانقطعت السماء عن الأرض. يقول أنس رضي الله عنه : ((لما كان اليومُ الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ أضاء منها كلُّ شيء، فلمّا كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كلَّ شيء، وما نفضنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيديَ حتى أنكرنا قلوبنا)) رواه الترمذي بسند صحيح.
لقد فاضت روحه الشريفة صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى في الثاني عشر من ربيع الأول في السنة الحاديةَ عشرةَ للهجرة.
هنا لم تختلف كتب السير في تحديد يومِ وفاته كما اختلفت في تحديد يوم ولادته.
ربطتُ بين المناسبتين، مناسبة الوفاة المجزوم بها مع مناسبة الولادة المظنون بها في شهر واحد وفي يوم واحد.
فصرختُ: يا إلهي!! كيف لي أن أحتفل بيوم وفاته صلى الله عليه وسلم؟!
كيف لعقلٍ أن يجمع بين فرح وسرور وحزن وألم في نفس الوقت ؟!
يا إلهي!! أ يجوز لأحد يُحِبُّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتفل بموته صلى الله عليه وسلم ؟!
بل لو دعا إنسانٌ إلى جعل يوم الثاني عشر من ربيع الأول يوم حزن لكانت شبهته أقوى من شبهة المحتفلين بذلك اليوم، لماذا؟
لأن الأحزان غَلَّابةٌ على الأفراح، فلو قُدِّر أنه توفي والد أحد الزوجين في ليلة عرسهما، لعُدَّ احتفالهم تلك الليلة ضربا من الجنون. وهكذا لو مات ولدك يوم العيد، لانقلب فرح العيد حُزْنًا ومأتماً وعزاءً.
إن أعداء المسلمين سيضحكون علينا:
فإن نحن ابتهجنا وفَرِحْنَا بولادته صلى الله عليه وسلم قالوا: انظروا إلى المسلمين إنهم يفرحون بوفاة نبيهم!
وإن نحن حَزِنَّا وصَنَعْنا مأتماً لوفاته صلى الله عليه وسلم قالوا: انظروا إلى المسلمين إنهم يحزنون لولادة نبيهم.
فماذا نفعل؟
الأمر يسير، إننا لسنا بحاجة إلى احتفاء أو عزاء، إنما اتباع للنبي صلى الله عليه وسلم.
ولهذا لا غرابة أن كان العُبَيْديون الرافضة هم أول من أحدث بدعة المولد. فهل هؤلاء أهل للاقتداء والائتساء؟!.
إلى هنا وسأستريح قليلا عن قراءة السيرة بعدما تبينت لي الأمور، وانكشفت لي الحقائق.
هل سأحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم؟
لا، لن أحتفل بالمولد بعد اليوم.
إن احتفالي الحقيقي هو أن أسير على خطاه صلى الله عليه وسلم، وأن أحيي سنته، وأن أدافع عنها, وأن أُحِبَّه وأحبَّ آلَ بيته الطيبين الطاهرين وصحابته الغر الميامين.
اللهم إنا نُشهدك يا الله بأننا نحب عبدَك ونبيَّك سيدَنا محمداً صلى الله عليه وسلم، اللهم ارزقنا بمحبتنا له شفاعةً تنجينا بها من عذاب أليم، وتُدخِلُنا بها جنتك ياربَّ العالمين. وصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
ناصر العلي
جامعة أم القرى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.