أيام الثانوي وعدنا مدرس الفيزياء بمنح درجة النشاط (كاملة) لمن يحضر أفضل عمل إيضاحي. وجعل الأمر منافسة بين الطلاب واشترط (تقديم شيء) يختلف عما جاء في الكتاب.. وبالنسبة لي كانت فرصة للتفوق على (فريد هرري) أذكى طالب في الفصل. لقد كنت ماهراً في الرسم وأملك خيالاً فراغياً يجيد تحويل الأفكار المسطحة إلى أشكال مجسمة.. وهكذا أحضرت عملاً مجسماً يتكون من مستنقع ماء راكد تحيط به أعشاب برية كثيفة. وفوق المستنقع تقف ثلاث بعوضات - تبدو أقدامهن كنقط منخفضة على سطح الماء.. كان عملاً مدهشاً لم يفهم مغزاه معظم الطلاب؛ ولكن معلم الفيزياء أدرك أنه يعبر عن (ظاهرة التوتر السطحي في الماء) فمنحني درجة كاملة!! .. فالبعوض يمكنه السير على الماء بفضل غشاء رقيق يتشكل في أعلاه.. وهذا الغشاء يمكن ملاحظته من خلال «القبة الشفافة» التي تتكون في أعلى الكأس حين يمتلئ بالماء. وهو من القوة بحيث يمكنه حمل أمواس الحلاقة وإبر الخياطة - إن وضعت بحذر - ويتيح للبعوض والعناكب والحشرات الخفيفة السير عليه بدون أن تغرق!! ٭ أما بالنسبة للبشر فلا يحدث أمر كهذا إلا في إطار المعجزات والكرامات الخاصة؛ فمعظم الديانات تملك قصصا عجيبة عن رجال صالحين ساروا فوق الماء أو جلسوا فوقه.. ففي الديانة البوذية مثلاً لا يصل الراهب إلى أقصى درجات السمو إلا إن تمكن من السير فوق الماء أو نام فوقه.. وفي قصص المتصوفة ادعاءات كثيرة عن أولياء وصالحين ساروا على الماء بدون أن يغرقوا - وفي بعض الأحيان بدون أن تبتل أقدامهم- . أما المسيحيون فيؤمنون بأن السير فوق الماء من معجزات عيسى عليه السلام - الذي علم اتباعه إمكانية ذلك إن آمنوا به ولم يخشوا الغرق «فحين نزل بطرس من السفينة ناداه المسيح من اليابسة فسار فوق الماء ملبياً فرحاً ولكنه حين أحس بالخوف بدأ يغرق فصاح منادياً أيها الرب أنقذني - 22 - 14 Matthew». ٭ أما في تراثنا الإسلامي فهناك قصة مشهورة عن العلاء بن الحضرمي الذي سار بجيشه فوق الماء في غزوة البحرين. وروى أنس عما حدث قائلاً: كنت في غزوته فأتينا عدونا وقد جاوزوا خليجاً في البحر إلى جزيرة بعيدة فوقف العلاء على الخليج ونادى ربه: يا علي يا عظيم يا حليم يا كريم، قم قال: أجيزوا بسم الله.. قال: فأجزنا ما يبل الماء (أو يصل الماء) حوافر دوابنا. فلم نلبث إلا يسيراً فأصبنا العدو (ثم عدنا) فقال مثل مقالته الأولى فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا (البداية والنهاية 155/6)! ٭ على أي حال؛ لأن الكرامات لا تحصل لأي إنسان ظهرت اختراعات وتقنيات تتيح (لمثلي ومثلك) السير فوق الماء.. فقبل أيام مثلاً قرأت خبراً عن فتاة صينية ابتكرت جزمة مطاطية تمكنها من السير فوق الماء (رأيت صورتها على موقع Ananova)!! وفي علم الفيزياء هناك حقيقة مفادها أن الأجسام الثقيلة يخف وزنها بازدياد سرعتها؛ وهذا المبدأ بالذات هو ما يتيح لسحلية الماء (واسمها العلمي Basiliscus Plumifrons) الجري فوق البرك والمستنقعات بسرعة كبيرة بحيث تغرق، لو توقفت.. وفي ولاية لويزيانا تحول هذا المبدأ إلى سباق سنوي تنطلق فيه السيارات بسرعة كبيرة لاجتياز مستنقع صغير.. وفي حين لا يتجاوز بعض السيارات منتصف المستنقع - أو يغرق قبل نهايته - ينجح البعض الآخر في الصعود من الضفة الأخرى!! .. هل تريد نصيحتي: .. قد لا تكون من أصحاب الكرامات (وبالتأكيد لست من فصيلة العنكبوتيات) وبالتالي يبقى الاختراع الصيني خيارك المثالي!