إشارة لما طُرح من آراء في صفحة الرأي للجميع العدد رقم 13583وتاريخ 27 رجب 1426ه وما تلا ذلك من تعقيبات على مقال الأستاذة حنان الثويني حول الشباب وما يقومون به من سلوكيات منحرفة أود أن أدلي بدلوي سائلاً الله العون والتوفيق وهدفي أن أبحث عن الرأي الصائب تجاه الموضوع محل النقاش. ولا أرى ضيراً أن تكتب حنان أو غيرها حول قضايا المجتمع المختلفة وتناقش وتؤيد وتعارض وللآخرين الحق في قبول أو رفض ما يكتب، فالرأي حق للجميع لا يمكن الحجر عليه ولهذا السبب وجدت صفحة الرأي للجميع.. ومثل هذه الكتابات من شأنها أن تثري النقاش، ومن جهة أخرى دافع ومحفز للدارسين والباحثين في اكتشاف الكثير من المشكلات الاجتماعية والأخلاقية التي قد تكون غائبة عن أذهان الكثير منهم. ولا شك أن هذه الخطوة الأكثر أهمية في الطريق لإيجاد الحلول لتلك المشكلات. ان ارتفاع حجم الجريمة وتنوعها بين فئة الشباب حقيقة لا أحد ينكرها في مجتمعنا كما يتضح من الاحصائيات الرسمية للدولة. والجريمة واقع ملموس ومشاهد فلا تكاد تخلو صحيفة من الصحف اليومية من أخبار الجريمة. ونشر هذه الأخبار والاحصائيات ومناقشتها ظاهرة صحية ومن هذا المنطلق سعت وزارة الداخلية لنشرها لتكون نقطة انطلاقة للباحثين والمهتمين لدراستها دراسة علمية والتعرف على الأسباب المؤدية لها والتوصل إلى حلول للقضاء عليها. بل إن الدولة تشجع الباحثين والدارسين لدراسة الوقاية من الجرائم بشتى أنواعها ولذلك سعت جاهدة في إنشاء مركز لأبحاث الجريمة وأفسحت المجال للباحثين لدراسة أسباب الجرائم بأنواعها وما ندوة الأمن والمجتمع عنا ببعيد إذ ناقشت هذه الندوة ملامح الجريمة المعاصرة. مما سبق إيضاحه يؤكد حقيقة الكل يسعى إليها تتمثل في أهمية طرح المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بكل أمانة بعيداً عن التعصب الأعمى أو المبالغة العمياء التي لا طائل من ورائها بنفي وجود جريمة ما أو إثباتها. عوداً على بدء، إن ما ينشر في الصحف من جرائم يمثل نسبة لا تكاد تذكر من الجرائم المسجلة رسمياً، لكن السؤال ما حجم الجرائم التي تحدث؟ ما عدد الذي لم يسجل؟ وهذا هو مربط الفرس للكثير من آراء المشاركين في هذه الصفحة. وهذه المشكلات أو الجرائم غير المسجلة رسمياً لا تعني انها غير موجودة في الواقع الملموس بل هي واقع محسوس لا يمكن التغاضي عنه وهو ما يطلق عليه بلغة علم الجريمة الضحية، فكم من الضحايا في المجتمع الذين يتعرضون لعدد من الجرائم دون أن يعلم بهم أحد إلا المجرم والضحية نفسه؟ كم من البيوت تسرق ويعتدى عليها؟ وغير ذلك من الأسئلة التي أرى انها من الضرورة بمكان لأن تكون محل اهتمام الباحثين حيث ان معظم الدراسات ركزت على الاحصائيات المنشورة وقليل من الدراسات التي تهتم بالجريمة غير المسجلة. ومن خلال صفحة الرأي للجميع أدعو لإنشاء مراكز بحثية مستقلة لدراسة الجريمة غير المسجلة من خلال استطلاع رأي الناس عن مدى تعرضهم أو لأحد من أقاربهم لأي نوع من أنواع الجريمة التي لم تسجل رسمياً. ومناقشة هذا النوع من الجرائم بكل شفافية. وان نفسح المجال لمناقشة القضايا والمشكلات الاجتماعية والتحديات التي تواجه المجتمع. وبما ان اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.. ويقيني أن المسؤولين عن الأمن في هذه البلاد المباركة على مستوى المسؤولية، لذا فعندما يكتب عن قضية ما يقومون بدراستها وأسبابها ومسبباتها والتأكد من حقيقة أمرها قبل أن يعطوا رأياً فيها. لذلك للجميع الحق في طرح الموضوعات التي يرون أهميتها وللآخر مناقشة هذه الموضوعات برؤية أخرى معارضة. وقد ذكر الدكتور الجار الله في مقالته «مدائن» كلاشنكوف وسيارات مظللة» العدد رقم 12664 يوم السبت 21/12/1423ه (ان المرء يستشعر الكوارث الكبيرة من مشاهدات صغيرة) عندما تحدث الجار الله عن الشباب وتظليل السيارات وحمل السلاح. معبراً عن الواقع الذي يشعر به كل إنسان يستشعر المسؤولية تجاه أمن هذا الوطن. ولا أحد يختلف في أن الأصل هو الصلاح والجريمة بشتى أنواعها مستنكرة وغير مقبولة، ولهذا فالمقارنة بين من يرتاد أماكن العبادة وهم ولله الحمد أكثر من أن يحصوا وبين من يقوم بالجريمة وان نسبتهم قليلة ولا تكاد تذكر تشبيه في غير محله. ولتأكيد ذلك، أسأل ما هي ردة فعل المجتمع بمختلف شرائحه حينما سمع ورأى حادثة الاعتداء على الفتيات في شارع النهضة بحي الربوة في مدينة الرياض؟ لهذا السبب لا يمكن التغافل عن الواقع الاجتماعي بحقائقه الملموسة بأي حال من الأحوال، فالمشاكل التي يعاني منها المجتمع حتى لو كانت في بعض الأوقات فردية، لا يمكن القضاء عليها إلا بعد فهمها ومعرفة الأسباب الداعية لها وضرورة النظر لها في سياقها الكلي. وهذا يحتاج قدرة فذة على التحقق منها وانها مشاكل سيكون لها آثارها السلبية على المجتمع إن لم تعالج. لذا فإن مجتمعنا في حاجة إلى الصحفي الذي يكتب عن المشاكل الاجتماعية بقصد نشر الوعي الأمني واستشعار قيمة أمن الوطن والمواطن لدى المجتمع والتنبيه عن أنواع السلوكيات الخاطئة التي يقوم بها بعض الشباب. وبعد ذلك يأتي دور العلماء وأهل الاختصاص والباحثين في الجريمة للتحقق من حجم هذا النوع من المشاكل بالنظر إلى الاحصائيات الرسمية وغير الرسمية لتحديد حجم وخطر الجريمة وهل تعتبر قضية عامة أم حوادث شخصية عابرة لا خطر على المجتمع منها؟ والله الموفق.. ٭ أستاذ علم الجريمة المساعد