في روايتها "ألماس ونساء" الصادرة مؤخراً عن دار الآداب، استعادت الروائية السورية لينا هويان الحسن عوالم المجتمع الشامي البرجوازي في المهجر السوري، سواء في أوروبا أو أمريكا اللاتينية، من خلال تناولها لسير عدد من النساء الدمشقيات اللاتي انطلقن في رحلة قدرية صوب الأرجنتين أو باريس، وتعتبر الروائية لينا هويان الحسن الوحيدة التي تناولت عوالم البادية السورية وعموم الرقعة الجغرافية الممتدة إلى بوادي الأردن والعراق ونجد وكرست لها أعمالاً مثل: بنات نعش وسلطانات الرمل ورجال وقبائل. وعن سر ارتباط رواياتها بالتاريخ وبالمجتمع البدوي، تقول: يبدو أني أمتلك شغفا كبيرا بالتاريخ، وتحديدا مطلع القرن العشرين فمعظم رواياتي تحدث في هذه الفترة. في أعمالي الروائية عن المجتمع البدوي كتبت عن الثقافة الحياتية البائدة، كتبت وأنا أعلم أني أعاصر انقراض هذا النمط من الحياة، وبنفس الوقت أعيش عصر الانسحاق المادي والأسمنتي للإنسان. وعن روايتها "ألماس ونساء" تسترسل الحسن قائلة فيها: كتبت عن المجتمع الدمشقي الحقيقي كما قرأته في الوثائق بعيداً عن الصورة النمطية التي كرستها الدراما السورية عن المجتمع الدمشقي، حيث تعتبر نفسها مفتونة بتلك الطقوس المهملة التي كانت تمارسها جماعات بشرية منسية وتؤكد تمسكها بشدة بالذاكرة المهجورة فهي ترى أن الأدباء هجروا هذه العوالم بذريعة الحداثة. ومن خلال تصفحنا لروايتها المكونة من جزأين نرى محاولة الحسن تتبع آثار خطى أناس بعضهم غادر وطنه ليهرب من هوية بعينها مثل كارلوس كرم، والبعض الآخر غادر مدينته بحثا عن هويته المفقودة مثل: الكردي بوتان، أما النساء كما تروي لينا فلهن مكرهن وأحابيلهن التي تبزغ في كل صفحات الرواية. وعن الكتاب وتأثير الأدب الروسي عليها توضح الروائية لينا الحسن قائلة: الكتاب، رفيقي المبكر في حياتي. وقعت في غرام الورق الأبيض بشكل نهائي حتى اختيارنا لكتاب بعينه نُؤثره على غيره، يعني أننا بلغنا شكلا من أشكال النضج، الأمر يشبه الحب، فأي ارتباط يتحقق نتيجة انجذاب عاطفي مبهم، وإلا كيف لي أن أفسّر تأبطي لكتب لا أتخلى عنها، كُتب إذا ما ابتعدت عني أشعر بالشوق والحزن إذا لم تكن على رفوف مكتبتي. وتكشف عن اعترافٍ صغير في هذا الشأن حيث تقول: قد تفتحت على قراءة الأدب الروسي؛ وذلك بسبب مصادفات عديدة أولها: مكتبة المدرسة التي كانت تدرس فيها، فقد كانت مدججة بكتب الأدب الروسي. مبكراً تعرفت على عوالم تولستوي الثرية، وأبطال تشيخوف المتألمين وتضيف: أحببت بشكل خاص رواية ألكسندر غرين، كان عنوانها "الأشرعة الحمراء". في ذلك الوقت عندما كنت في السادسة عشرة من عمري قرأت رواية "بطل من هذا الزمان" لليرمنتوف" وتعرفت على بطله الاستثنائي تشورين منذ ذلك الوقت تعلمت التصالح مع نفسي مع عيوبي قبل إيجابياتي. وتبوح لنا الحسن بحقيقة أن جدتها كانت صاحبة التأثير الأول في ميلها للشعر والأدب حيث تقول: منذ ذلك اليوم الذي كانت تخض فيها اللبن لتخرج الزبدة وهي تغني أشعاراً للزير سالم وقصائد لعبدالله الفاضل، وتحكي لي حكايات عن أبطال يحملون أسماء غريبة مثل "كان ياما كان" أو "شمهروش" لأكتشف فيما بعد أنهم أبطال كتاب ألف ليلة وليلة، منذ ذلك الوقت تسرّب إليّ المزاج البدوي الذي دفعني لكتابة عوالم البادية والصحارى السورية. ففي الطفولة هنالك باب يُفتح ليلج المستقبل ألف ليلة وليلة قرأته قبل أن أبلغ الخامسة عشرة من عمري. وتعليقا على فوز الروائي الفرنسي باتريك موديانو بجائزة نوبل للآداب تقول لينا الحسن: من الواضح أن انتقاءات نوبل الأخيرة، انتقاءات متعلقة بكُتاب يتتبعون أثر الثقافات الضائعة مثل الفرنسي لوكليزيو أو البيروفي ماريو بارغاس يوسا، وهاهو موديانو ينالها، وهو الذي اشتهر بكتابة أعمال بمجملها تدور أو تحدث في فترة الحرب العالمية الثانية، ووصفت أعماله بأنها الكتابات التي تتبع الخيوط الواهية للهويات المنسية أو المجهولة، ويبدو أن لجنة جائزة نوبل أصبحت تدرك أهمية الكتاب الذين يكتبون نصوصا تتضمن ما يشبه إجابات ومعلومات متضمنة عن الماضي، ولهذا من الطبيعي جدا أن يفوز موديانو صاحب 28 رواية دارت كلها حول الذاكرة التاريخية والسياسية والشخصية والعائلية.