حينما كان "ديفيد غوود" في سن الطفولة كان يجيب من يسأله من الناس عن والدته بأنها توفيت في حادث سيارة ليكفوا بذلك عن طرح المزيد من الأسئلة التي سببت لها حرجاً من وضعها وهيئتها حيث إنها كانت تعيش حياة بدائية في غياهب غابات الأمازون بقارة أمريكا الجنوبية. في الحقيقة سبق لوالدة "ديفيد" واسمها "ياريما" التي تنحدر من إحدى قبائل "اليانومامي" القديمة التي سكنت ما يعرف اليوم بفنزويلا أن حاولت تغيير أسلوب حياتها بعد زواجها من والده "كينيث" وجربت أن تندمج مع المجتمعات المدنية المتحضرة ولكنها لم تطق ذلك مما جعلها ورغم صعوبة الأمر عليها كما وصفت لاحقاً أن تهجر زوجها وأبناءها الثلاثة وتعود لموطنها ونمط حياتها الذي اعتادت عليه. ويقول "ديفيد" في تفسيره لما كان يقول حين يسألونه عن والدته بأنه كان طفلاً صغيراً غاضباً من والدته التي هجرته قبل 30 سنة مع أشقائه بالإضافة إلا أنه كان يخشى من سخريتهم لو عرفوا حقيقتها التي اجتهدت لتغييرها بعد لقائها مع والد "ديفيد" البروفيسور الأمريكي "كينيث" أستاذ علم "الأنثروبولوجيا" والذي تعرف عليها عندما كان طالباً في ذلك الوقت يدرس أسلوب معيشة قبائل "اليانومامي" التي تنتمي إليها حيث كان من المفترض أن يبقى هناك لمدة 15 شهراً فقط ولكنه بدلاً من ذلك ظل يتردد على منطقة هذه القبائل في فنزويلا لمدة 12 عاماً لولعه بثقافتهم وطريقة حياتهم وأحبهم وأحبوه وقدموا له إحدى بناتهم لتكون زوجة له وهي "ياريما". صورة تجمع أفراد عائلة ديفيد قبل عام 1991م وحين عاد "كينيث" في نهاية المطاف إلى مدينته "روثرفورد" بولاية "نيوجيرسي" في الولاياتالمتحدةالأمريكية صحبته زوجته "ياريما" التي عانت كثيراً في تقبلها للصدمة الحضارية والفارق المهول في أسلوب الحياة الجديدة التي من المفترض أن تعيشها. ولم يكن الأمر سهلاً عليها أبداً فقد كانت خائفة من كل شيء ولم تستطع تعلم اللغة الإنجليزية أو أن تندمج في المجتمع فعزلت نفسها تدريجياً وتلقائياً إلى أن جاء ذلك اليوم في عام 1991م الذي طلبت فيه إحدى القنوات التلفزيونية المتخصصة بالبرامج العلمية الوثائقية من "كينيث" الإشراف على برنامج يهتم بقبائل "اليانومامي" مما جعله يسافر بزوجته وأطفاله الثلاثة "ديفيد" و"فانيسا" و"دانييل" إلى فنزويلا ليتم تصوير البرنامج وعندها قررت "ياريما" أن لا تعود نهائياً مهما كان الثمن ولو كان التخلي عن فلذات كبدها الذين يبلغ أكبرهم من العمر ست سنوات. وحاول زوجها "كينيث" في البداية تركها لفترة قصيرة على أمل أن تغير رأيها يوماً ما واستمر في محاولاته تلك لثلاث سنوات إلى أن اتضح أن استقرارها هناك هو أمر حتمي بالنسبة لها ويجب على عائلتها أن تتعايش مع ذلك. ولم يستوعب أطفالها وخصوصاً "ديفيد" في البداية لماذا تركتهم والدتهم. وبسبب حرمانها لهم من أمومتها أصبح الأطفال يكرهونها. وعندما بلغ "ديفيد" من العمر 20 عاماً قرأ كتاباً لوالده يروي فيه تفاصيل قبائل "اليانومامي" وكيف تعرف على زوجته ليعرف بعدها ما خفي عنه ولماذا تركتهم والدته. وقرر ديفيد السفر إلى فنزويلا للبحث عن والدته وهو ما حدث لاحقاً في نهاية عام 2011م حين كان أول لقاء بها بعد 19 سنة من فراقهما بعد رحلة بحث طويلة نسبياً عنها دون أن يعلم ما إذا كانت على قيد الحياة أم توفيت ولكنه وبعد جهد مضنٍ وجدها وتعرف عليها في بيئتها وليقوم مثل والده باستكمال ما بدأه حيث يعمل حالياً على مشروع مماثل في جامعته "إيست سترودستبرغ" ويؤسس منظمة غير ربحية تهدف إلى لفت الانتباه إلى طريقة حياة قبائل "اليانومامي" وتوعية الناس باحتياجاتهم وضروريات معيشتهم من الأدوية والأغذية وغيرها مع وجوب الحفاظ عليهم وحمايتهم من الاندثار والامراض لكونهم ثروة تاريخية يجب احترامها وتقديرها وعدم اعتبارهم من البدائيين نظراً لنمط حياتهم فليس بالضرورة أن كل ما يختلف عن ما نعتبره متقدماً هو متخلف ويجب تطويره أو إلغاؤه. ياريما سعيدة بلقائها مع ابنها ديفيد يحاول الاندماج في مجتمع والدته