حينما يرحل الأب عن الدنيا أو يغيب عن المنزل لأيَّ سبب من الأسباب، فإنَّ الأخ الأكبر من المفترض أن يبقى خير ناصر ومعين لإخوته في كل ملمة من المُلمات، وبالتالي فإنَّ عليه في هذه الحالة أن يكون رفيقاً بهم وليِّناً في تعامله معهم، إلى جانب تقمص دور الوالد بروح مسرورة، ورغم أنَّه ينبغي على إخوته طاعته، إلاَّ أنَّ الاختلاف في الرأي معه يجب أن لا يقلل من احترامهم له، كما أنَّه حينها يكون مخطئاً إن هو ظن أنَّ ذلك ضرب من ضروب العناد والعصيان والتمرّد على سلطته، كما أنَّ عليه أن يتنازل ويتجاهل ويتغافل عن بعض أخطاء إخوته وزلاَّتهم، وأن يرتدي ثوب الأبوة الحاني وأن يتقمُّص دور والده، وأن يعمل على مد جسور الحب مع إخوته ويتجنب العداوة والشحناء والخصام مع كافة أفراد الأسرة، إذ أنَّ القيادة في هذه الحالة يجب أن لا تكون بالتسلّط وفرض الرأي بالقوة. قرارات مصيرية وقالت "جمانة العبدالكريم": "أخي الأكبر يفرض عليَّ إعداد الولائم لأصدقائه بالمنزل في أوقات الدراسة، رغم أنَّي طالبة في المرحلة الجامعية، وعندما طلبت منه أن يختار الوقت المناسب أو يبلغني بدعوة أصدقائه مسبقاً بوقت كافٍ غضب مني وخاصمني، معللاً ذلك بأنِّي لا أقدره كأخ أكبر وأن لا مكانة له عندي". وأشارت "عهود العبدالله" إلى أنَّ شقيقها الأكبر عمل على تغيير أثاث منزلهم بالكامل بشكل عشوائي وغير منظَّم بعد وفاة والدها، إلى جانب إزالة حديقة المنزل دون أسباب واضحة، مضيفةً أنَّه كأنما يهيئ نفسه بذلك ليفرض رأيه على كافة أفراد الأسرة، خاصةً أنَّه لم يكن يأبه بتوسلات والدتها ومناقشتها له حول بعض القرارات المصيرية المتعلقة بأفراد الأسرة، إذ كان يشير حينها إلى أنَّ الكلمة الأولى في المنزل لا بد أن تكون له بعد رحيل والده عن الدنيا. فرض الرأي وبيَّن "أحمد الناصر" أنَّه تقدم أحد الشباب من ذوي السمعة الطيبة والسلوك الحسن لخطبة شقيقته، إذ كان ذلك كافياً لموافقة بقيَّة أشقائه على هذا الارتباط بشقيقتهم عدا شقيقه الأكبر الذي كان ينظر إلى هذا الشاب بنظرة أخرى تتعلَّق بأسباب بعيدة عن الواقع، موضحاً أنَّه حينما تمت مخالفته في الرأي أقام الدنيا ولم يقعدها وفرض رأيه على الجميع، مشيراً إلى أنَّ إصرارهم على الموافقة جعله يوافق على مضض. وأضاف أنَّه تولدت لدى شقيقه ذاك انطباعات بعيدة عن الواقع، ومنها أنَّهم لا يأبهون برأيه، الأمر الذي فتح باب الخلافات بينهم وبينه على مصراعيه؛ مما أدَّى إلى عرقلة مراسم الزواج، مشيراً إلى أنَّها تمت بشق الأنفس. وأوضحت "فرح محمد" أنَّ والدها -رحمه الله- ترك لأخيها الحبل على الغارب قبل أن يتوفاه الله على اعتبار أنَّه الابن الأكبر، مضيفةً أنَّه لم يكن يرفض له طلباً إلاَّ نادراً جداً، إذ اعتاد منذ صغره أن يفرض رأيه على الجميع، مشيرةً إلى أنَّه بعد وفاة والدها توسعت دائرة هيمنته وفرض كلمته حتى على والدتها، إذ أنَّه يفرض على جميع أفراد الأسرة موافقة هواه واتباع رأيه، رغم محاولاتهم ثنيه عن بعض الأمور، بيد أنَّ ذلك لم يكن ذا جدوى. حل المشكلات وذكر "د. خالد الحارثي" -مستشار اجتماعي وأستاذ الإدارة والتدريب بجامعة الملك عبدالعزيز- أنَّه يجب أن نعي بعض الأمور المهمة؛ لكي نتجنب حدوث مثل هذه المشكلات، مضيفاً أنَّ الخطوة الأولى هي أن يسعى الأب ليجعل ابنه ولياً لعهده أثناء حياته، ثمَّ تليها الخطوة الثانية وهي احترام ولي العهد، موضحاً أنَّ أيَّ قيمة ايجابية كانت أم سلبية زرعها الوالدان في الابن ستنعكس على الإخوة فيما بعد، إذ ستظهر هذه القيم في التعامل معهم. وشدَّد على أنَّه يجب على الوالدين إعطاء الابن كامل الاحترام وإعداده معنوياً، وذلك بالتقليل من الدلال وتكثيف التوجيه حتى إن وصل إلى رشده، مضيفاً أنَّ ذلك سينعكس بالتالي على شخصيته وسيتعامل مع الجميع من هذا المبدأ، وبالتالي سيجني الاحترام ذاته من اخوته، داعياً إلى منح الابن الثقة بإشراف مباشر وغير مباشر، ومن ذلك تكليفه بحل بعض المشكلات العالقة في المنزل، إلى جانب الثناء عليه ومدحه وتشجيعه؛ لكي يصبح لديه القدرة على حل المشكلات بعد رحيل والده عن الدنيا. وأكد على أنَّ الإشراف غير المباشر يكون حينما يتدخل الابن من تلقاء نفسه لحل مشكلة ما حدثت بين إخوته في حال كان أبيهم غائباً عن المنزل في سفر أو مهمة عمل، فإذا كان الحل جيداً وخرج بنتائج مرضية فلا بد للوالدين أن يعززاه على مبادرته تلك، أما في حال أخطأ عبر إبداء حلول تسهم في تفاقم المشكلة، فإنَّ عليهما أن لا يوبخانه؛ لكي لا يسهم ذلك في كسر إعداده، بل يجب أن يستخدما كلمة "المفترض" في العلاج، كقول يُفترض أن تتأنى ويُفترض أن لا تسمع من طرف واحد، وذلك لكي يصبح هذا الأسلوب واقعاً يعيشه الابن في المشكلة القادمة. شخصية مهزوزة وشدّد "د. الحارثي" على أهمية هذه المرحلة لتأهيل الابن الأكبر في حال غياب الوالد عن المنزل لأيّ سبب، كالسفر أو التعرُّض لمرض مُقعد أو حينما يكون الأب مسجوناً -لا سمح الله-، وغير ذلك من الأسباب، مشيراً إلى أنَّه بإمكان الوالدين تشكيل الابن في صغره وجعل شخصيته تبدو بشكل جيد؛ لكي لا تصبح مهزوزة، موضحاً أنَّ الطفل المدلل حينما يكبر فإنَّ الوالدين يفقدان السيطرة عليه أو تعديل سلوكه، داعياً إلى ضرورة الاتزان في التربية. ووجه إضاءات مهمة للابن الأكبر في حال فقد الأب الولاية لوفاة أو إصابة بمرض عضال أو طلاق ونحو ذلك، مضيفاً أنَّ أولى هذه الاضاءات هي التوعية الحقوقية للورثة والوكيل عليهم، إذ لا بد أن يعي هذا الابن أنَّ له حدودا معينة في الرغبات والمطالب يجب عليه الالتزام بها، موضحاً أنَّه يجب أن لا يغيب عن ذهن الابن الأكبر أنَّ هناك حقوقا بعد وفاة الأب يفترض أن تكون واضحة فيما بينهم، خاصةً حينما يكون لدى أفراد الأسرة عوائد مالية كبيرة. استشارة الثقات ودعا "د. الحارثي" الابن الأكبر إلى التنازل والتجاهل والتغافل عن بعض أخطاء إخوته وزلاَّتهم، مضيفاً أنَّ عليه أن يُغيِّر من شخصيته في حال كان حاداً في طباعه معهم في حياة والده، إلى جانب ارتداء ثوب الأب وتقمُّص دوره بتعقل؛ لكي يرتدي ثوب الأبوة الحاني الذي قد تحتاجه البنت أكثر من الولد، مشدداً على أهمية استشارة الثقات، مشيراً إلى أنَّ عليه أن يستشير الأقارب، وخصوصاً كبار السن في حال لم يجد تصرفاً مناسباً حيال أيّ معضلة ما تعرضت لها الأسرة. ولفت إلى أهمية تخصيص أوقات لاجتماع الأخ الأكبر ببقية إخوته، على أن يكون اجتماعاً أسبوعياً أو شهرياً؛ ليشعر الجميع بقربه منهم وأنَّه لهم بمثابة الأب، مشدداً على أهمية استغلال مواقع التواصل الاجتماعي في هذا الخصوص، داعياً إلى ما يُعرف بالاجتماع الدافئ عبر الملامسة والتودد؛ لكي يشعرهم بقربه، خاصةً إذا كانت الظروف لا تخدم الاخوة للاجتماع المتكرر، مؤكداً على أهمية احتضان الأخت وعدم الشعور بالحرج من ذلك مهما كان العمر. تعريف بالحقوق وأشار "د. الحارثي" إلى أهمية حفظ الحقوق، مضيفاً أنَّ عدم حفظ حقوق الاخوة وتعريف كل واحد منهم بهذه الحقوق ما له وما عليه وحفظها بملفات خاصة من شأنه جلب الضغينة وعدم احترام الأخ الأكبر، موضحاً أنَّ عليه تجنب ظلمهم؛ لكي لا يدخل في قلوبهم الشك بهضم حقوقهم ولا يتولد لديهم اتهامه عبر التشكيك في ذمته، وبالتالي ينعدم الاحترام فيما بينهم، مشدداً على أهمية استخدام الحزم الايجابي الذي يُقرب ولا يُنفر. وأوضح أنَّه عند صدور تصرف خاطئ من أحد الاخوة، فإنَّه يجب أن يستخدم الابن الأكبر الحزم الإيجابي الذي يتمثل في شخصية الأب الحقيقي، مضيفاً أنَّ عليه أن لا يستخدم السب والشتم في حال رفع أحدهم صوته أمامه؛ حتى لا يتحول هذا الحزم إلى حزم سلبي مُنفر، مُحذراً من استخدام التعنيف أو الضرب بأيّ حال من الأحوال، مشيراً إلى أنَّ الأم حينما تفقد رفيق دربها، فإنَّ ذلك سيُخلِّف لديها فراغاً كبيراً، مؤكداً على أنَّ أقرب المحيطين بها لشغل ذلك الفراغ هو ابنها الأكبر، لافتاً إلى أنَّه يمكن أن يُطلق عليه في هذه الفترة مسمى الرفيق المُكمِّل للدرب.