من المهم أن نفهم وأن نشخص قبل إصدار الأحكام أو اقتراح الحلول، أو وصف العلاج. هذا مبدأ تربوي وادارى واجتماعي مهم ويحتاجه الانسان في بيته وعمله وفي علاقاته مع الناس. سألت أحد الأصدقاء: ما هو انطباعك عن المسؤول الجديد فأجاب: لديه قدرة على الانصات. هذا المسؤول الجديد لم يتسرع في إصدار القرارات لأنه يريد أن يفهم ولن يستطيع أن يفهم دون إنصات، لأن العادة أن من يرسل فقط يعني أنه ليس بحاجة الى آراء الآخرين. في مجال التربية قد يكون لدى الابن مشكلة في دراسته ويريد أن يتحاور مع والديه بشأنها وما أن يبدأ بالحديث وبمجرد سماع الأب لكلمة (مشكلة) ينفعل ويقاطع ويقول: كنت أتوقع ذلك لأن وقتك كله مع أصدقائك في اجتماعات لا طائل منها. وقد تتدخل الأم وتقول (طيب، يا ليت نسمع ونفهم المشكلة) ويرد الأب: (ما يحتاج نفهم انه يبحث عن مبرر لترك الدراسة بعد كل ما فعلناه من أجله) وهكذا لم يقل الابن غير أن عنده مشكلة لكن ما هي هذه المشكلة وما هي أسبابها وهل يمكن حلها؟ هذه معلومات غير معروفة لأن الانصات لم يكن له وجود. وهذا الانصات يرتبط بالدعم العاطفي فالابن حين تمر به ظروف صعبة بحاجة الى من يقف معه لا من يقف ضده. وفي بيئة العمل يوجد من يصدر الآراء والقرارات قبل أن تتوفر لديه المعلومات والحيثيات الكافية. ويوجد من يعتقد أن الانصات للمرؤوس هو نقطة ضعف، وأن دوره هو أن يتحدث ويقيم ويقرر وعلى الآخرين التنفيذ. في بيئة العمل قد تحدث مشكلة فيلجأ المدير الذي لا يريد وجع الرأس الى اتخاذ قرار سريع دون استشارة الادارات المختصة المحيطة بظروف المشكلة والقادرة على اقتراح بدائل لحلها. هذا القرار السريع قد يتعامل مع أعراض المشكلة ويغفل الأسباب وتكون النتيجة فيما بعد اعاده انتاج المشكلة ثم إلقاء اللوم على العاملين والمساعدين والمديرين الذين لم يتم الاستماع اليهم لأخذ رأيهم وتفهم المشكلة قبل اتخاذ القرار. لعلنا نتذكر أن الاتصالات الانسانية لا يمكن أن تنجح اذا كانت من طرف واحد هو الذي يرسل ويستقبل، أي أنها بدون تفاعل لا عقلي ولا عاطفي، وجرب أن تتحدث مع أي انسان ثم لا يأتيك أي رد. في حالة الأب الغاضب مع ابنه قد يحاول الابن أن يرد فيوقفه الأب قائلا بحدة (ولا كلمة، لا أريد أن أسمع صوتك) وأن لم يرد الابن واكتفى بالصمت، فقد يغضب الأب ويقول: (ما شاء الله، ساكت بعد، ما عندك شيء تقوله). أعتقد أن المدارس والجامعات يجب أن تزيد من الاهتمام بتنمية مهارات الاتصال عن طريق برامج التدريب العملية والخروج من صندوق التنظير واختبارات المعلومات والحفظ التي تقيس قدرة الذاكرة فقط..