متحدث الداخلية: المملكة وظفت تقنيات الذكاء الاصطناعي لخدمة ضيوف الرحمن    السعودية تشارك في قمة الشركات الناشئة لمجموعة العشرين بجوهانسبرج    وزراء الداخلية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية يعقدون اجتماعهم ال 42 في الكويت    فيصل بن فرحان ووزير خارجية الهند يستعرضان العلاقات الثنائية    وكيل وزارة الحج يدشن مبادرة «تمكين العاملين في خدمة ضيوف الرحمن»    ديدييه ديشان يطالب لاعبي فرنسا بإنجاز المهمة والتأهل إلى مونديال 2026    أمير جازان يشهد انطلاق أعمال ورشة الخطة التنفيذية لمنظومة الصحة 2026    المدينة المنورة تحقق جائزة شنغهاي العالمية للتنمية    "ريمار العقارية" تعيّن الدكتور بسّام بودي رئيسًا تنفيذيًا لقيادة مرحلة جديدة من التحوّل والنمو    فيصل بن مشعل يدشن الموقع الإلكتروني لإمارة القصيم بعد تطويره وتحديث خدماته الإلكترونية    تعليم الشرقية يدشن فعاليات موسم التشجير الوطني 2025م تحت شعار "يدٌ تغرس وأرضٌ تزدهر"    جلسة حوارية حول "الاتصال الثقافي بين السعودية والصين" في قسم الإعلام بجامعة الملك سعود    نجم تستعرض حلولها الرقمية المبتكرة ودورها في تمكين قطاع تأمين المركبات    وزير الخارجية يصل إلى كندا للمشاركة في الاجتماع الوزاري لمجموعة ال7    القبض على مخالفَيْن لنظام أمن الحدود لتهريبهما (15) كيلو جرامًا من نبات القات المخدر    جمعية ترابط وبناء تكرمان 17 مستفيد من رواد مبادرة "تاكسي أيتام السعودية"    جمعية "نماء" بجازان تطلق دورة "تصميم وفن احتراف الديكور الداخلي" ضمن "مشروع إنطلاقة نماء"    خادم الحرمين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء بجميع أنحاء المملكة يوم غدٍ الخميس    مسؤول سعودي: نسعى لتكون السياحة ثاني أكبر قطاع اقتصادي لتعزيز التوظيف ووزبر السياحة اكد ذلك    وزير الصحة السعودي: الاستطاعة الصحية شرط الحصول على تأشيرة الحج    تحسين متوسط العمر في ضوء رؤية 2030    ارتفاع اسعار الذهب    تعليم المدينة يدعو للمشاركة في المسابقة المحلية على جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    إمارة منطقة مكة تشارك في مؤتمر ومعرض الحج والعمرة    برعاية سمو الأمير سعود بن نهار انطلاق الملتقى الأول للفنون البصرية والنقد بالطائف    وسط تعثر تنفيذ خطة ترمب.. تحذير أوروبي من تقسيم غزة    المنتخب الوطني يواصل تحضيراته لودية ساحل العاج    «أونروا»: هناك مدن دمرت بالكامل في غزة    نهى عابدين تشارك في فيلم «طه الغريب»    تعزيز حضور السينما السعودية في السوق الأمريكي    معاناة ابن بطوطة في كتابه    وسط تحركات دولية وإدانة مصرية.. هيئة محاميي دارفور: «الدعم السريع» يرتكب مذابح في الفاشر    القيادة تعزي رئيسة سورينام في وفاة الرئيس الأسبق رونالد فينيتيان    «محمية الإمام» تطلق تجربة المنطاد    أشاد بالتميز الصحي وأكد أن الإنسان محور التنمية.. مجلس الوزراء: الدولة تعتني بشؤون الحج والعمرة والزيارة    المفتي يحث المسلمين على أداء صلاة الاستسقاء غداً    نحو نظرية في التعليم    دراسة: فيروس شائع يحفز سرطان الجلد مباشرة    بدء التسجيل لجائزة سلامة المرضى    معايير تحديد سرقة رسومات الكاريكاتير    منطقة الحدود الشمالية الأقل في حالات النزيف والتمزق    أمير نجران يستعرض تقرير "التجارة"    أمير المدينة يتفقد محافظة المهد    الرئيس الأميركي يتعهد بمساندة سورية بعد لقائه الشرع    من أجل السلام    الأقل جاذبية يتمتعون بشهرة أعلى    "مدني الرياض" يكثّف "السلامة" في المباني العالية    «أحمر الشرقية».. برامج تأهيلية ودورات تخصصية    علاج جيني واحد يخفض الكوليسترول    أقراص تطيل العمر 150 عاما    أزمة قانونية تلاحق ChatGPT    أرقام الجولة الثامنة.. 20 هدف ونجومية سيلا سو ومشعل المطيري    الفتح يعود للتدريبات بعد الإجازة استعداداً لاستئناف دوري روشن    حالة من الاستياء في سانتوس البرازيلي بسبب تصرفات نيمار    فهد المسعود ينضم إلى لجنة كرة القدم بنادي الاتفاق    أمير تبوك يطّلع على التقرير السنوي لأعمال فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر    الديوان الملكي: وفاة وفاء بنت بندر    رجال أمن الحرمين قصص نجاح تروى للتاريخ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجتمع الصحراء لم يخلُ من التنظيم والضوابط الاجتماعية
أحاديث في الأدب الشعبي
نشر في الرياض يوم 20 - 03 - 2013

يطرب العربي وسواه لسماع الشعر الجيد، الذي يحمل مضامين رفيعة، وصوراً مبهرة، ذلك أن الشاعر برؤيته الثاقبة وخياله الواسع يجلو جمال الأشياء، ويعبر عن مكنون الضمائر ويوقظ استكانتها ويشعلها عند احتدام الأمور، محدثاً تأثيراً بالغاً في المتلقي يتفاعل معه ويستعذب الاستماع إلى شعرائه، ويستعيد ما علق بالذاكرة منه كلما استحثت الأحداث استعادة ما يوافق مناسبتها.
ولئن كان شاعر القبيلة في الماضي لسان حالها ووزارة اعلامها فقد عنت المجتمعات الأوروبية بمنتدياتها وصوالين النبلاء والنبيلات فيها باحتضان الشعراء والمفكرين لتكتسب تلك المنتديات نوعية من التميز والتفوق، واصطفاء النبلاء والنبيلات صفوة أولئك المبدعين واحترامهم وتكريمهم أضفى على مجالسهم الوقار وأكسب المبدعين التجديد والعطاء محافظة على استمرارهم معهم وعدم الانتقال إلى منتديات تخطب ودهم ليزداد الاقبال عليها.
ما يستريح اللي بقلبه وَلاَوِيل ولا يقطع الفِرْجة غريبٍ يناوي
أما في الجزيرة العربية وقبيل قيام الوحدة الوطنية فإن حدة نباهة الشاعر وسرعة حفظه لأشعار الآخرين قربته من مجالس الاعيان لينعشها بأشعاره ومروياته، ويتبارى الأعيان لتقريب الشعراء من مجالسهم، وقد يغاضب الشاعر مجلساً لا يدنيه، وقوماً لا يقدرونه حق قدره، فينتقل إلى مجلس آخر. والأحداث في الماضي قد تضطر الرجل إلى الرحيل من ديار قومه إلى قوم سواهم فيجد الحماية والتكريم تقليدا تعارفت القبائل والجماعات عليه، ويعدونه تكريما للقبيلة التي ينتمي إليها المغادر، فما بالك بالشاعر الذي يخشى ابداعه ويتطلع إلى مديحه ومؤانسة جلاسه؟ إن ذكره يسبقه إلى حيث يتوجه وحيثما يحل فيجد الترحيب والتكريم والحفاوة.
ومما يذكر الشاعر طلال السعيد في كتابه «الموسوعة النبطية ج1» أن الشاعر رميح الخمشي من عنزة كان لا يبدع شعراً إلا لمناسبة ملحة، وكان معاصراً للشيخ جاعد بن مجلاد، وقد حدث أن اضطر لمغادرة ربوعه مغاضبا فنزل بديار الظفير ضيفا على شيخها ابن سويط فعاش معززاً ومكرماً بل اصطفاه الشيخ نديما خاصا يأنس لوجوده بمنتداه ويفتقده إذا غاب، ويتفقد شؤونه، وقد حدث ذات مرة أن تأخر الشاعر عن حضور المجلس فأرسل الشيخ في طلبه ليطمئن عليه، فبادر الشاعر للحضور وبادره الشيخ مستفسراً عن أسباب تأخره ومبدياً اهتمامه وخشيته من حدوث سبب حال دون حضوره فأجاب الشاعر:
قالوا عَلاَمَكْ ما تجي للتعاليل
قلت الْتِهِي يا شاربين القهاوي
ما يستريح اللي بقلبه وَلاَوِيل
ولا يقطع الفِرْجة غريبٍ يناوي
هَجْر النِّيا طِبُّه بعيد المراحيل
ولا يقبل المجلس بعيد العزاوي
التعاليل هي المنادمة ثنائية كانت أو زادت عن ذلك، تضم الأصفياء لتبادل الأحاديث والاشعار وكل ما يليق بالمكان والزمان والجلاس، وهي هنا لتمضية الوقت وتعميق الروابط وتأكيد المحبة، ويتناول المتعللون القهوة وما خف من الطعام، لتأكيد الألفة وزوال الكلفة.
والشاعر يعتذر لهاجس طرأ عليه ابداه في البيت الثاني الذي بقي مثلا سائراً يردده كل من واجه هاجساً مزعجاً. والغريب يجب أن يكون أديبا ولا يشق على مضيفيه بطلب، ولا يبدي لهم ما يختمر في ذهنه من أفكار قد تزعجهم، وليس له حق المشاركة في قضايا مضيفيه، إذاً فهو يشعر بأنه عضو غير عامل في مجتمعه، يظل بعيداً عن جماعته الذين يشاركهم السراء والضراء ويبدي لهم ما يرى، ويظل هنا ضيفاً يخضع لقانون الضيافة الذي يمنعه عن ممارسة ما يمارس أفراد القبيلة لادارة شؤونهم. وهو لا يقبل النيا وهو التعطيل عن أداء واجب الحرية. والشاعر ذو همة لا تكتمل بعيداً عن عزوته وهم أبناء قبيلته. ثم يعبر عن قراره الحاسم:
حلفت مني دِين ما يَجْدَع الشَّيل
مَيْر اعتبوا عبو المشيل الضحاوي
لقد قرر العودة إلى دياره والاستسلام لما تحكم به قبيلته من عقاب أو قبول اعتذار، وحلفت مني دين يقسم قسماً شرعياً مؤكداً ألا يعود عن قرار اتخذه، وكأن هناك يميناً أو قسماً غير نافذ ولكن (الحلف دين) يمينا ملزمة. وفي عجز البيت يحدد موعد الرحيل ضحى، واعتبوا بمعنى استعدوا من التعبئة. والمشيل هو الرحيل.
ثم يثنى ممتدحاً مضيفه واصفا شجاعته وكرمه:
لاجيت بيت الهَيْلعي قاصب الحَيْل
عدَّى عن الشِّكَّة بدوٍّ خلاوي
أحلى من السكر بُرقْط الفناجيل
وعنيدٍ الوى للعنيد الملاوي
اللي ليا جينا ومر باشقر الهيل
غير الخروف اللي عليه الغطاوي
والهيلعي تعبير عن إقدام المضيف للترحيب بالضيوف ومواجهة القضايا الجسام، والشاعر ينفي أن يكون رحيله لسبب أو جفوة من مضيفه، فهو بعيد عن أن يشك في كرم أخلاقه بعد الأماكن الخالية من الحياة، ثم يمتدح عذوبة مجلسه وصفاء نفسه مع ضيوفه وأصدقائه وشدته وعناده مع خصومه، وكلمة «ومر» هي أمر من الأمر.
لقد أدرك ابن سويط حنين الشاعر إلى دياره، وتكريما له ولقبيلته صحبه إلى رحاب الشيخ ابن مجلاد وأصلح الجفوة التي كانت بين الشاعر وقبيلته، فتم له ذلك وعاد الشاعر إلى ربوع غادرها في ساعة غضب، وعاد إليها مشتاقاً معززاً بوساطة ابن سويط ومرحباً به لوفائه، وقد وجد ابن سويط لدى ابن مجلاد ورجاله كل احترام وتقدير لما قدم من حسن الضيافة لشاعرهم.
هذه الأحداث لا تكون في مجتمع يخلو من التنظيم والضوابط الاجتماعية، ولكنها تدل على نظم اجتماعية وتبادل أخلاقي بين قبائل مهما اشتد الخلاف بينها إلا أنها تفيء إلى رحاب من المعاملة الحسنة والاحترام المتبادل، ولكنها لا تقبل الضيم ولا الخنوع والاستسلام، وعن ذلك ينقل لنا. الأدب الشعبي صورة من المجتمع الذي يشكل نظمه من تجربته وقيمه.
إلى الأعزاء:
أشكركم على ترحيبكم بكتابي «أحاديث في الأدب الشعبي»، والذي كان نتاج عطاء من مداخلاتكم وتعليقاتكم، ولذا أود اهداءه لكم عطفا على جميل مشاركتكم وتقديراً لكم.
أتشرف باستقبالكم واتصالكم بمكتبي بدار المفردات، الرياض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.