الحوار والكتابة والمقابلات التلفزيونية محاور تواصل واتصال وأخذ وعطاء وطرح لرؤى وأفكار القصد منها التثقيف أو الإقناع أو المناداة بتبني أطروحات واقتراحات أو الدفاع عن أمر عليه اعتراض أو فيه لبس وعدم وضوح أو بيان مميزات وفوائد بعض القرارات أو تداول وتبادل الأفكار حول موضوع أو موضوعات ذات مساس مباشر أو غير مباشر بالحراك الوطني على اختلاف وتنوع معطياته وفي النطاق الضيق قد يكون الأمر محصوراً بهموم فردية أو جماعية محدودة. عنف اللغة والإرهاب اللغوي أصبح ظاهرة لا تخفى على المتابع لوسائل الإعلام التقليدية وغير التقليدية مما يتوجب معه الانتباه إلى هذه الظاهرة والعمل علىالحد منها قبل أن تتفاقم ويصبح لها أتباع ومريدون بعضهم نيتجة لسوء فهم وحسن نية والبعض الآخر عن قصد وسبق ترصد فإذا أخذنا الكتابة الراقية نجد أنها تعتبر أحد أساليب التعبير الذي يخالج تفكير الأغلبية ويداعب مخيلاتهم لأنه يعتمد على طرح أفكار أو اقتراحات نيرة متعددة تتناول ما تحتاجه الساحة من تحليل وتقصّ وبيان للإيجابي ودعمه وتحديد للسلبي وتحجيمه.. والكاتب قد يكون متخصصاً في فرع من الفروع يقتصر في كتاباته عليه وقد يكون ذا سعة اطلاع تسمح له بتناول القضايا العامة بالطرح والتحليل، وهذا الطرح أو التحليل وما يتضمنه من حلول قد يكون موجها للعموم وقد يكون موجها للمسؤول والفرق بينهما كبير، ففي حالة توجيهه للعموم يكون القصد التثقيف وطلب الالتزام ومعاضدة الجهات الرسمية على الاستفادة منه أو إنجاحه، وفي حالة توجيهه للمسؤول فإن القصد منه طلب تبني هذا الطرح أو ذاك، وفي هذه الحالة يجب أن يكون الطرح على شكل ورقة عمل يمكن أن تصبح أساساً يبنى عليها أو تكون نقطة انطلاق لمبادرة أكبر وأشمل. أما الكتابة المتشنجة المبنية على المحدودية في التفكير والاستقصاء أو اعتبار الشائعة حقيقة أو استخدام الهمز واللمز أو التهكم أو الاستفزاز أو استنقاص الآخر فهذه أحد أبواب الفرقة والخلاف. وللأسف فإن مثل هذا النوع من الكتابة يلقى صدى لدى شريحة لا يجذبها إلا هذا النوع من التشنج والاستفزاز، فهم مع الجعجعة ورفع الصوت والمخالفة والتهميش والمغالطة. ويدجل في باب الكتابة المتشنجة والاستفزازية الاتجاه نحو التصنيف ومهاجمة من يتم الاختلاف معه واتهامه بأنه علماني أو ليبرالي أو متدين متطرف أو ظلامي أو ضلالي أو غيرها من الصفات والنعوت التي ما أنزل الله بها من برهان. إن هذا الأسلوب في التصنيف مع الاستمرار عليه وعدم الحد منه يقسم المجتمع ويحوله إلى طوائف وأحزاب، خصوصاً مع وجود من يشجع كلاً منهما ضد الآخر ويدعمه وهذا خطر لو تعلمون عظيم. إن العلة ليست في الكتابة الملتزمة المتوازنة المتميزة العقلانية مهما تجرأت، ولكن العلة تكمن في الكتابة غير الرصينة التي تتصيد الأخطاء وتحرف الكلام وتبتر الأفكار وتستخدم قلماً كل همة الشتم والتجريح والتقليل من النجاح والتسلق فوق رقاب الآخرين من خلال أسلوب فج مج فيه كثير من المغالطة وقليل من الفائدة. نعم عندما أتحدث عن الكتابة فإنني أقصد قليلاً مما يطرح في الصحف المقروءة وكثيرا جداً مما يكتب وينشر في مواقع التواصل الاجتماعي دون حسيب أو رقيب إلى درجة التشكيك في كل منجز والتحريض ونشر الأراجيف والشائعات والتهم والنفخ في روح النزعات الجاهلية من عصبية وطائفية ومناطقية وعرقية وخلافية أخرى دون إدراك أن تلك الأمور قد تجد من يدعمها ويشجع عليها من قبل المتربصين والحاقدين في الداخل أو الحاسدين والمتآمرين في الخارج أو منهما معاً. فالتدخل الإيراني في شؤوننا واضح وجلي وهو يهدف إلى تقويض جميع منجزاتنا ومكتسباتنا الثقافية والدينية والمادية والمعنوية، فها هم يعبثون في أمن واستقرار دول الخليج وسوريا ولبنان وفرقهم تجوب الشارع المصري والليبي والتونسي بل تتحرك على مستوى العالم العربي ولا زالت الدول العربية تشتكي وتحتج وتستنكر وتشجب كعادتها بينما إيران وإسرائيل تخططان وتنفذان أجندة متوازية أو مشتركة هدفها تفكيك الدول العربية وتقسيمها إلى كانتونات تتحكم في بعضها إسرائيل وتتحكم في البعض الآخر إيران. وهذا الكلام ليس محض خيال بل هو الحقيقة الواقعة في العراق والسودان ولبنان وخيوط المؤامرة تنسج في كل من مصر وليبيا واليمن والبقية في الطريق ومع هذا لا زال كثير مما يكتب يتحدث عن المخاض الديمقراطي الذي سوف ينقذ المنطقة بينما هناك استحقاقات أكبر وأهم يجب أن تسبق الديمقراطية بل يجب أن تكون الديمقراطية وليدة لها يأتي في مقدمتها الوعي بالمصلحة العليا للوطن ووحدته ووحدة كلمته والحفاظ على منجزاته ومكتسباته. فهذه مصر تكاد تفلس وتنهار اقتصادياً والعناد والصراع على أشده لمصالح شخصية أو حزبية يلعب المال والتدخل الأجنبي جزءا لا يتجزأ فيها. نفهم أن لا يرضي الدستور الجديد جميع الأطراف ولكن كان يجب أن يكون الحوار هو الطريق الأمثل لحله وإذا تم الاعتراض فكان يجب أن يتم تحديد المواد التي عليها خلاف ولكن الحاصل هو رفض مطلق أذكر هذا كمثال على أن الكابة الملتزمة التي توضح الحق وتدعو إليه بينما الكتابة المتشنجة ترسخ لروح الاستفزاز واستنفار الغوغاء وخلخلة الاستقرار ويدعم هذا التوجه كل الفضائيات التي تجد ضالاتها وقصب سبقها وارتفاع حرارة برامجها وأخبارها وتعليقات مراسليها وحواراتها مع أطراف النزاع المختلفة ضالتها بصرف النظر عن الانعكاسات السلبية على المصلحة العامة والخاصة للدولة والمجتمع المستهدف. وهنا يأتي دور الكتابة الملتزمة والإعلام المخلص اللذين يسعيان بكل الوسائل إلى تهدئة الخواطر وبيان أهمية الالتزام بما يحقق المصلحة العامة للوطن والمواطن وبيان منزلقات الخطر وانعكاساتها على مكتسبات وإنجازات الأمة. إن حرية التفكير والتعبير يجب أن تكون مضمونة للجميع شريطة الالتزام. فليست حرية التفكير والتعبير أمراً مطلقاً، ولكن يتم ذلك ضمن ثوابت وضوابط يأتي في مقدمتها المصلحة العليا للوطن والمواطن. فحرية كل شخص تنتهي عند حدود حرية الآخرين، فالحرية مثلها مثل السكن والشوارع والميادين، فالأول يخصك ويخص أفراد أسرتك والثاني والثالث يخصانك ويخصان الآخرين وما يتم فيهما يجب أن يحظى برضا الآخرين بحكم النظام. وبالعودة إلى ردود الفعل من قبل كل من القارئ أو المتلقي نجد العجب العجاب، فهناك فئة تعلق بأسلوب يشبه الطير الذي يغرد خارج سربه وهو في الغالب كتب رداً على العنوان دون أن يقرأ النص، وهناك من يشطح في الرد لأنه لم يقرأ بتمعن وفهم، وهناك من يتهم الكاتب بالجهل بينما هناك من يقدم للكاتب نقداً إيجابياً واقتراحات بناءة ويلفت النظر إلى القصور أو التميز فتجد مثل ذلك القارئ عوناً للكاتب على نجاح مهمته، وعلى العموم فإن النطاح والتناطح يعكسان ثقافة المتناطحين. إن فوضى الكتابة عبر مواقع التواصل الاجتماعي واستخدام الواتس - اب للإثارة والهرج والمرج أو انتحال شخصية الآخرين وما يترتب على ذلك من بلبلة وغموض أو إساءة أو غير ذلك من الممارسات الخاطئة كل ذلك وغيره يجب أن يجابه بوسائل فعالة يأتي في مقدمتها الشفافية التي تعتبر طفاية حريق تزيل الشك وتدحض الشائعة وتحق الحق وتمحق الباطل ناهيك عن تبني برامج مضادة يقوم عليها أناس على قدر من العلم والمعرفة والثقافة والانفتاح والقدرة على الحوار البناء دون تشنج أو استفزاز أو غطرسة أو مغالطة، فالذي يجيد الحوار ويعرف قواعده وخصائصه وأساليبه هو الذي يحرز قصب السبق ويحقق أهدافه ويأتي في مقدمة ذلك احترام الطرف الآخر حتى وإن اتصف بالصلف والاستفزاز لأن سعة الصدر معه تفقده أسلحته لأنها أسلحة محدودة الفعالية لا تؤثر إلا في الغوغاء والدهماء الذين ينطبق عليهم ما وصفهم به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. إن عنف اللغة والإرهاب اللغوي أصبح ظاهرة لا تخفى على المتابع لوسائل الإعلام التقليدية وغير التقليدية مما يتوجب معه الانتباه إلى هذه الظاهرة والعمل علىالحد منها قبل أن تتفاقم ويصبح لها أتباع ومريدون بعضهم نيتجة لسوء فهم وحسن نية والبعض الآخر عن قصد وسبق ترصد وإصرار والفاصل بينهما يكاد يصعب تمييزه دون وجود معايير تميز الغث من السمين وكتاب ملتزمين ومتميزين بالمنطق وبعد النظر وسعة المدارك ورحابة الصدر والانفتاح والبعد عن التعنيف، ناهيك عن الثقافة الجمة والتوازن والطرح المتميز.. والله المستعان.