رثاء بعد عشرين عاماً

من بعدِ عشرينَ عامًا جئتُ يا أبَتي
أرثيك ، أمْ أشتكي من بؤسِ ذاكرتي
أتيتُكَ اليومَ محمولاً ، ويحْمِلُني
عبءُ الزمانِ الذي ولّى ، ولمْ يَمُتِ
تمرُّ في خاطري ذاكراكَ دامعةً
والنارُ توقِظُ أحداقي ومحبرتي
أُحِسُّ مسباحَكَ المِصْفرَّ يهتفُ بي
يقولُ : أينَ اختفى لوني وأزمنتي
لازلتُ أحْمِلُ مسباحي ، وأُمْسِكُهُ
كأنني أنتَ ، والمِسْباحُ أغنيتي
هيَ السنون أمامي تسْتحيلُ لظىً
تغتالُني ، وتَصَبُّ الزيتَ في رئتي
أكادُ أصْرخُ من صمتي الطويلِ على
حزني ، وقد ملّتِ الإبْحارَ أشرعتي
يا والدي ،كيفَ حالي بعْدَ غربتِها ؟
أدري بأنَّكَ لمْ تَرْقُدْ ، ولمْ تَبُتِ
أتيتُ أسْألُ عن نفسي ، لأنّكَ لمْ
تُغَادِرِ البيتَ ، والجدرانُ شاهِدتي
أدري بأنّكَ في قلبي ، وفي نَظَري
وأنْتَ تَخْتالُ في داري ، ومكْتبتي
كُلُّ الاماكِنِ لا زالتْ تُسائِلني
عنْ صوتِ مذْياعِكَ المبْحوحِ يا أبَتي
أراكَ في عَرَصاتِ البيتِ توقفُني
وأنْتَ تحْتَضِنُ القرآنَ من شَفَتي
أراكَ في خَطَواتي ، دائِمًا أبَدًا
تُضيءُ دربي ، وأحْلامي ، ومدْرستي
كُلُّ التفاصيلِ تدعوني لرؤْيَتِها
فتسْتَحيلُ شُعَاعًا بينَ أوْرِدَتي
يا والدي ، لِمَ هذا الوقتُ طالَ بِنا ؟!
وأنْتَ أكْبَرُ من صمْتي ، ومنْ لُغَتي
إنّي لأسْألُ عنْ نفسي ، فأتْرُكُها
تَسيلُ في دفتري ، تَجْترُّ أسْئِلَتي
تَجْتاحُني ، وتَصَبُّ الحُزْنَ في جَسَدي
والدَّمْعُ يَحْرِثُ مِحْرابي ، وصَوْمَعَتي
أُوّاهُ من ظَمَأِ الذّكْرى ، ولَسْعَتِها
كيفَ اسْتَحالَ المَدى قَبْرًا بذاكِرَتي
محمد مهاوش الظفيري