أن تكون المواجهة بين روسيا تحديداً مع الشعب السوري ووقوفها مع جلاده، يعني أنها راحلة برحيله، ومن يتابع تصريحات ومؤتمرات (لافروف) وزير خارجية روسيا يجده أكثر كلاماً يدافع به عن الأسد، وحتى من المقربين له، لكن هل هذا الموقف يخدم مستقبل العلاقة مع بلد سوف يحكم على رحيل الأسد بقوة قانون الوجود، والذي يضع الشعب القوة المطلقة مهما كانت نسب القتلى والتدمير؟ الجديد في الركض خلف السراب توجه الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون) لبكين، وعنان لموسكو وهما مجرد متجولان يعرضان بضاعة لا تغري أي مشتر، لأن أياً من البلدين صرحاء في أفكارهما ومواقفهما، وعنان شخصياً ليس ذلك الرجل المؤتمن على اتجاهه المنحاز لهما وللنظام، وهذا لا يعني أن دول أوروبا وأمريكا لهما الرغبة في الحل وإنما يجدان في موقف خصومهما على الطرف الآخر هروباً من أي مسؤولية، وإلا متى كان للروس والصينيين الوزن الذي يعوقهما عن أي تدخل في دولة تحقق لهما مصالحهما، أو تهدد أمنهما؟ التطورات الأخيرة في تحرك العاصمة دمشق بالاضرابات، والقتل المتبادل تضعف قول (لافروف) من أن الشعب السوري، أو قطاع كبير منه مؤيد للأسد، وهي ليست تخرصات، وإنما وقائع على الأرض بتزايد النقمة عليه وهذا يدفع بالعديد من العاملين بأجهزة الأمن والجيش للانشقاق، وروسيا أكثر من يدرك هذه الحقيقة، ولعل ما تشير له بالتخويف بحرب أهلية، ستكون هي السبب المباشر لها وتتحمل مسؤوليته الأخلاقية والسياسية، لأن من يدفع بالمعركة إلى حرب إبادة وبسلاح روسي متقدم يتدفق على النظام لا يوفر للروس إقناعه الرأي العام العربي والعالمي، بسلامة موقفهم مهما كانت حربائية الطروحات التي لا تستقيم مع المنطق.. ليس للسياسة ثبات عندما تتعارض أو تتلاقى المصالح الاستراتيجية للدول الكبرى، فقد انتشرت الحروب بين الدول المتخلفة مثل الصومال، وأفغانستان ودول أفريقية وآسيوية، وسوريا رغم أهمية موقعها وحساسيته، إلا أنها تندرج ضمن تنازع القوى، لكن لو شعر الغرب على سلامة إسرائيل مما يجري بها، لتغيرت المعادلات، لتصبح المسألة متجاوزة الروس والصينيين، إلى التأثير على حليف لا يقبل التراخي في أي خطر يحيط به، لكن طالما الأمور تتجه إلى الداخل السوري فقط، أو حتى لو امتدت الأزمة للبنان، فالقضية تعتبر عربية بحتة.. لن تحسم المسألة السورية بسهولة، لأن الموقف العربي بلا غطاء أو تأثير مباشر إلا بدعم حياة اللاجئين، أو مساعدة جيش التحرير ببعض الأسلحة التي لا تخل بميزان القوى مع السلطة، وتبقى الأهمية بتوافق دول مجلس الأمن والذين يديرون اللعبة وفق منطقهم وتلاقي مصالحهم، ويظل الشعب السوري المعادل الأهم في كل ما يجري ويدور، ومن هنا تأتي أهمية صلابته في هذه الحرب المعلنة عليه، لأن إطالة عمر المعركة، مهما كانت التضحيات، ستدير البوصلة باتجاهه وهو ما تفهمه السلطة وتتعامى عنه..