في الماضي القريب كنا نوجه اتهاماً عاماً شاملاً لكل من يستخدم الانترنت في التواصل محادثة او رسائل مع الناس، كنا نخشى عليهم من العزلة والانفصام عن مجتمعهم ووصل الامر ببعض الآباء باعتبار تواجد ابنائهم المتواصل امام اجهزة الكومبيوتر مرضاً نفسياً يحتاجون للعلاج منه.. اما اليوم ومع توسع الشبكات الاجتماعية لم تعد شاشات الحاسوب سجناً اختيارياً يضع الشباب انفسهم فيه ولا يخرجون منه ابدا، ففي الوقت الذي كان التعارف وتعلم ثقافات جديدة يتطلب سفراً ونفقات ومهارات خاصة اصبح اليوم الانفتاح على الثقافات والاشخاص والافكار لا يتطلب حتى مغادرة الغرفة! ووجد الشباب متنفسهم الذي لطالما تمنوه فتفننوا في الاستفادة منه حتى الثمالة.. تعارفوا.. تناقشوا.. خططوا.. قرروا.. نفذوا.. أطلقوا ملكاتهم وتعاملوا مع طاقاتهم بشكل ما كان يخطر على البال استحدثوا اشياء واظهروا اشياء كانت موجودة بالفعل لكنها كانت عاجزة عن الظهور بفعل تحكم الكبار وتماشيا مع ظروف المكان.. ولا محل لرافض لهذا الانفتاح، سيكون كمن يدفن رأسه في الرمال متصورا أن الآخرين لا يرونه.. هو الوحيد الذي يتصور هذا أما بقية العالم فيراه ويعرف عنه كل شيء بل ربما اكثر مما يتخيل أو يخطر في باله.. السجن الاختياري اليوم ليس لمن يجلس امام شاشة حاسوب وانما لمن يرفض أن يجلس امامها فسيفوته الكثير ولن يعلم بالكثير وستضطرب امامه المعلومات كثيرا لأنه سمع ولم يعرف بنفسه.. مؤخرا دخلت عالم الشبكات الاجتماعية الفيس بوك وتويتر و غيرها، اردت أن اعرف وأن افهم شكل عالم مواز لفرط انتشاره تجاوز منطقة التخيل وشكل واقعا كاملا وعالما قائماً يتداخل مع عالمنا ومع ارض الواقع الى درجة احداث الثورات وفرض التغيير.. واكتشفت حين دخلت هذا العالم أن الدماء التي تسري في عروق الجالسين امام حواسيبهم في كل بقاع الارض سرت في كوابل الاجهزة وحولتها الى عروق تنبض بالحياة.. فهناك افكار تخرج بوضوح وسلاسة تتفق معها او تختلف لا يمكنك ان تنكر وجودها ولا تستطيع ان تكتم صاحبها أو ان ترهبه فلا يكفي في هذا العالم ان تحمر عيونك او تخشن نبرة صوتك وان تصرخ في وجهه "اخرس" فهو لن يسمعك او يراك وبوسعه تجاهل دخولك عالمه.. وعوضا عن ذلك لماذا لا تدخل وتعرف وتناقش وتفهم وتتفهم وتعرض رأيك متقبلا أن يقبل أو يرفض أو أن تجد من يناقشك فيه.. عادي..! انا اعتقد انه خلال فترة قصيرة سوف تساهم هذه الشبكات فيما هو اكثر مما حدث فعليا سوف تكون سببا في تحويل المتحجرين عن تحجرهم ستجعلهم يتقبلون ان تناقش افكارهم وان تفند وان يتركوا مقاعد الآمرين الموجهين المتنفذين ليجلسوا بين المشاهدين والمتلقين يسمعوا ويفهموا ويناقشوا فليس امامهم خيار اما ان يتفاعلوا واما ان ينتهوا ويعلوا وجودهم غبار النسيان فالحياة تمضي قدما ولن تعود للخلف ولو خطوة واحدة ونحن واختيارنا اما ان نسير معها قدما واما ان نقف فتسبقنا وتتركنا وحدنا دون حتى أن تلتفت لتتفقدنا...