يغمرنا الحزن على فقيد الوطن، سلطان الخير والنبل والطيبة، نعزي أنفسنا، ونعزي قيادتنا، ونعزي بعضنا بمصابنا الجلل (إنا لله وإنا إليه راجعون). سلطان بن عبدالعزيز، رجل «ملأ السمع والبصر» في حياته، وعلى ما في العبارة من جزالة، فهي لا تفي الرجل حقه، تصدح لنا بذلك الحقائق بعد وفاته، بأن ما نعرفه عنه، ما هو إلا «غيض من فيض». كم هو مدهش أن نرى هذا التزاحم، كل لديه قصة يريد أن يرويها عن سلطان ومع سلطان، الإنسان، الأخ، الأب، المربي، القائد، هو حقيقة ذلك كله، هو الشخصية الفذة الفريدة، المتعددة الأبعاد، «أمة في رجل» (كما وصفها أحد الفضلاء)، وإلا كيف أن يكون لكل هذا الجمع قصة عن سلطان ومع سلطان! الكل يشعر بأن لسلطان عليه حقا، وبتلقائية يرغب في أن يعبر، ان يبادر، أن يشهد، أن يتأسى ويجعل غيره يتأسى بسيرة وخصال سلطان، أن يقدر ويجعل غيره يقدر ما عمله لدينه ووطنه وأمته، أن يدعو ويجعل غيره يدعو رحم الله سلطان. جمعت نفسه الراقبة، مكارم الأخلاق، ومعاني الرجولة، وأصالة العروبة، وطاقة الإسلام؛ وجسدت ابتسامته - التي لم تفارقه - معاني الطيبة والتسامح، ونشرت ظلال الطمأنينة وروح التفاؤل، وعكست همة وصبر الرجال، مثّل (رحمه الله) نموذجاً متميزاً لمدرسة والده المؤسس في التعامل الإنساني وفي الحكم والسياسة، هو رمز من رموز الدولة وبناتها المؤسسين. نعم، أيام صعبة وحزينة تمر بنا، فجعنا بخبر وفاة سلطان الخير، وخيم علينا السكون ليلة استقبال جثمانه، وسادنا التأثر والمهابة يوم دفنه، ونعزي بعضنا في فقده. دأب سلطان الخير في حياته يحثنا على الاعتزاز بأصالة هذا الوطن ومبادئه، وعراقة قيم وأخلاق قيادته وابنائه، وعمق عروبته وإسلامه، وأبى - حتى في أيام وداعه الحزينة - إلا أن يذكرنا ويفتح أذهاننا، ليجدد فينا مشاعر الاعتزاز: اعتزاز بوجود مثل سلطان بيننا، اعتزاز بقيادتنا وتجسيدها لأسمى معاني الاخوة الصادقة والوفاء والأخلاق النبيلة، اعتزاز بهذا الترابط والعواطف السامية التي تجمعنا، واعتزاز بهذا التقدير والمكانة العالية التي تحظى بها دولتنا. لقد أسبغ الله علينا - من فضله - نعماً كثيرة، وفي مقدمتها هذا التواد والتراحم بيننا، قيادة وشعباً، في هذا الوطن المبارك وتحت لواء هذه الدولة العزيزة (بإذن الله)، وهذه نعمة عظيمة، مدعاة للتأمل والتقدير. نسأل الله العلي القدير ان يديم نعمه ولا يغير علينا، وأن يرحم أمواتنا وأموات المسلمين، وأن يتغمد فقيدنا بواسع رحمته ومغفرته ورضوانه، وان يبارك في غرسه وأعماله، ويضاعف له الأجر والمثوبة.