الحياة الزوجية علاقة اجتماعية تتجاوز الزوجين امتداداً إلى أسرتيهما وما يتصل بهما من أطراف النسب والصداقة والزمالة إلى غير ذلك من الأواصر التي تتصل بالزوجين، وهي قيمة اجتماعية يتحرى طرفاها كثيراً من علاقات الوئام والوفاق بما يظل مسارها من المزايا وما يكسب النسل ارتياحاً وتوفيقاً، فحسن الاختيار من المبادئ والركائز الأساسية التي يقوم عليها بناء الأسرة. والمقبلون على الزواج في الماضي القريب يتهيبون الإقدام على الزواج خشية الوقوع في زوجة لا تراعي القيم الاجتماعية التي ينشدها المقدم على الزواج، ومنهم الشاعر سلمان الفايدي الذي قدمه الكاتب محمد حامد السناني في مؤلفه « شعراء من الحوراء » بأنه عاش في القرن الثالث عشر الهجري في بلدة أملج أو أم لج، هذا الشاعر كما يشير المؤلف بأنه يتميز بروح مرحة يداعب بها أصدقاءه، وربما تأخر في الزواج تهيباً من الوقوع في زوجة لا تستجيب لما يميل إليه من قيم، ولكنه لم يجد مفراً من فاتنة اعترضت طريقه سارحة بأغنامها فسلبت لبه وغادرته بعد أن تمكن حبها من قلبه، فقال: يا « نافع » اشكي عليك اللي نهب قلبي وعنّاه مِقْطاع سيْل « البحَيْر » مسَرّحِينه في الرعيّة الجادل اللي هرب مني بعد ما زان مرماه عز الله انه رماني يوم لدّ الطرف ليّه يشكو هذه الجادل إلى صديقه « نافع » بعد أن حدد المكان والزمان والهدف والسلاح الذي اصطيد به الشاعر. لله ما أشد سهام اللدات والالتفات، وهذه لدة عابرة وخاطفة كان لها وقع السحر، لدة تختلف عن لدات هذا الزمان. ومع أن هذه اللدة قربت الشاعر من مغادرة ركب العزوبية إلا أن لدة سبقت إلى غيره أضاعت الفرصة منه فكانت الفتاة من حظ السابق، فظل الشاعر متهيباً من الأقدام في انتظار لدة أخرى، حتى إذا أشار عليه عمه بالزواج قال: يا عم تشكي علي، ومن شكاك انا إلى الله شايف كما شفت بس الناس ما تقبل سوالي يبدو أن له شروطا في الزوجة ينكرها الناس الذين نصحوه بالزواج لما رأوا تردده وتأخره، وعلموا أسباب ذلك، وهو ما يشرح لنا في الأبيات التالية: قالوا تزوّج، وقلت اخاف من بعض المشاجاه خايفنى ارخص بعد ماني مع الأرحام غالي إنه يحرص على حسن الصلة مع أصهاره، فلا يضيق صدره من ابنتهم إن لم توافق طبعه، فإن صبر عليها لم تقبل نفسه طباعها، وإن أساء إليها بخصومة أو طلاق فلن يرضى ذلك لأنه يغضب أصهاره، وكل خوفه يوضحه في الأبيات التالية: خايف من اللي إذا امسى الليل تسري للملالاة تنجع كما ينجع المسني تحت ظل الخيالِ وتقول حاذورك الما والحطب حذرك تناساه وان كان انا ابْطَيْتْ حرصك لا يصيحون العيالِ وان قلت انا حَسْبك الله قالت انته حسبك الله والله لا نْشِدْك عنها جابْتَكْ وَشْ جابها لي والصبح انا اسرح وهي تسرح وبيت العز ننساه وعصَيْر تومي به الارياح ما فيه الخلالِ والكلب يدهك ركون البيت وقْرَبْها مطواه وشْنُودها من لعوب الغَيْ غاديةٍ رذالِ هذا ما يخشاه الشاعر ألا يوفق في زوجة تولي بيتها عناية الزوجة الصالحة، فترعى شؤونه وتحفظ أطفالها، وتقدر زوجها بما يتطلع إليه من اهتمام بشؤون الزوجية، وأكثر خوفه من سهرها في ملاعب السمر مع أترابها وأن تعهد إليه القيام بما هو من مسؤولياتها وواجباتها في ذلك الزمن من احضار الماء والحطب وسواهما. ولأنه يحرص على مراعاة خواطر أرحامه فلا يود إغضابهم يقول: بعد العَنَا والمجادل قلت عِلْمِكْ ذا هو ايّاه أنا احرس البيت وانتِ لا تفضَّيْتِ تعالي والبيض يا ناس فيهن مَيْل وانا الميل ما ارضاه وانا اذا شِفْتْ ميل الحمل ما ليَّ احتمالِ لا شك في أن هذه الأبيات غير عادلة في كثير من توجهاتها، فالمرأة لا يمكن أن تتخلى عن واجباتها في أي مجتمع كان، قديما أو حديثا، لما جبلت عليه المرأة من التزام وحب لوظيفتها الاجتماعية، ولكنها مبالغة الشعراء الميالين للمفاكهة وتجسيم الأمور، ومن جانب آخر فهناك من النماذج النسائية التي تميل إلى « الوناسة » التي تندر في ذلك المجتمع المحاصر بشظف العيش، فلا تتنفس المرأة في غير أيام الربيع، حيث التجمعات في النجعات البرية البعيدة عن مساكن الإقامة الدائمة. وربما كان الشاعر يعالج بهذه الأبيات قضية اجتماعية كثيراً ما تحدث في إطار تجدد القيم ونزوع الإنسان إلى التغيير وربما أراد بها هدفا آخر نصحاً أو نقدا اجتماعيا. والشاعر ابن بيئته قد ينقل لنا طرفاً من حياة ذلك المجتمع الذي رغم تصورنا للمشاق التي يعاني منها، وتصورنا لصغر حجم مطالب حياة برية تختزل كثيراً من مطالب حياة القرية والمدينة، رغم هذين التصورين فإنه يتمتع بكل أوجه الحياة الاجتماعية. كيف بك أيها الشاعر لو شهدت زمننا؟ ومطالب نسائه وحياتهن المفعمة بكثير من المظاهر ومتطلبات المشاركة في سهرة، بدءاً من الراحة استعداداً للمناسبة وامتداداً للتهيئة والتحضير لها والمشاركة فيها، وانتهاء بازالة المخصبات الشَّعرية والجلدية والرمشية والدندشات الأخرى خضوعاً لراحة ما بعد النضال والنزال. حفظ الله نساءنا ومتعهن بزمانهن فإنهن زينة لياليه، وأبقى الله شرق آسيا نتذوق من إبداعاته ما يجعل نهارنا حافلا بأشهى الأطعمة. بقي أن أشير إلى أن الأبيات خضعت لتوفيق بين الروايات المختلفة بما لا يفسد لها قضية.