لا أدري ما الذي منح هذا وتلك مكانة في الحياة، هذه المكانة ظلت تعاني من التحول والتغير الذي يمنح حيناً ويسلب حينا آخر. وإذا كانت المرأة عند نشأة البشرية هي صاحبة السلطان والأمر والنهي كما يذكر ول ديورانت في كتابه قصة الحضارة إلا أنها سلبت منها هذه المكانة لانشغالها بأمور الانجاب والتربية وما يتصل بهما، وعبر التأريخ جدت أمور أعادت إلى بعض النساء أدوار قيادية وسياسية حالف كثيراً منهن الحظ للنجاح، وضربن أمثالا رائعة في هذا المضمار، وهن والرجال سواء في موضوع النجاح والفشل, فمثلما يمنى أحدهما بالفشل لا ينجو الآخر منه، لأن استمرار الحال من المحال، ولأن كلا من النجاح أو الفشل يؤدى أحدهما للآخر، بمعنى أن الفشل يولد الطموح، والنجاح يوطن الاتكال. وأبرز القضايا الاجتماعية التي تشغل المجتمعات اليوم قضية المرأة. وأقل ما يطالبن به هو المساواة بالرجل أو قل اعطاؤهن حقوقهن في الحياة وإلغاء وصاية الرجل عليهن فما الذي يفضلهن به الرجل غير التكليف برعاية أمورهن فيما لا يقدرن عليه، باعتبار تحملهن مسؤوليات الحمل والولادة والتربية والأمور المنزلية ونحوها إضافة إلى أن قواهن لا تقوى على أداء كل الأعمال. والواقع أننا نغفل كثيراً عن تأثير المكتسبات الثقافية التي تنمى الشخصية وتزودها بما يوقظ فيها حواس الشعور بالمشكلة ومهارة معالجتها, وهذان المكتسبان يؤهلان الإنسان للقيام بدور إيجابي في الحياة, وننسى أيضاً أننا من سعى لتنمية الإنسان وساهمنا في تهيئته للقيام بدور في حياته, ثم إذا بنا نعطل استعداده ونلغي آثار كل ما زود ناه به من تأهيل, فنكون أهدرنا وقته في التأهيل وأهدرنا المال في المؤسسات التي أنشئت لهذا الغرض وأخيراً أهدرنا طاقة ينتظر منها المساهمة في مؤسسات المجتمع العامة والخاصة. والفاجعة أننا ننكر تأثير هذه الجهود (جهود التعليم والتأهيل) وننكر أنها هيأت هذا الإنسان (المرأة) المتساوي مع الرجل في التعليم والتأهيل والعقل، ونمضي في تجاهل المنجز التربوي والفكري لنبتكر مشاكل جديدة تحد من انطلاقة المجتمع في سبيل بنائه. بعد هذا نجد من يستجيب للتغيير ويضع الأمور حيث هي، ويوصم الرجل الذي استجاب لفضل التعليم واتزان التفكير بالخنوع والاستنعاج كما في الأبيات التالية: استفحلن البيض واستنعج الجوز طاع الأمر وارخى العصا واللسان لو يرفع المشعاب يروزها روز قالت: زمانك راح هذا زماني مشعابك انته مثل نقنوق بالموز وانا سلاحي يا ولد في لساني درع الحيا ما باقي الاّ منه حوز انته وانا لا غير بعض المعاني حنا نطب السوق ونسعّر اللوز نسعّر قماش الهند حتى الأماني حتى الذهب نشريه ونحطه جروز نغطّى على بعضه خفيف الردانِ وسط الرجال نخوض ونفوز وننوزما همنا الشِّيخان حتى الهدانِ القول لا قلناه ما احد له يروز مثل "ثبير" الضلع والاّ "نعمانِ" تطيع والاّ تسمع هروج ورموز اسمع لقولي خل عنك التماني وبالتأكيد فإن الحياة مشاركة وأدوار تؤدى وفق مؤهلات جسدية وفكرية ومكتسبات ثقافية. والشاعر هنا يطرح قضية واقعية عبر عنها ساخراً، ولكنه الواقع الذي يجب أن نفكر فيه بعقل لا أن نذهب مذهب أولئك: ألهى بني تغلب عن كل مكرمة قصيدة قالها عمرو بن كلثوم ونحن نعانق حياة جديدة، ولدينا ميراث ونظام إنساني عظيم، دعانا للتدبر والتأمل والاختيار. والشاعر بدأ ساخرا وانتهى منبهاً إلى أن عجلة الزمن لا يمكن إيقافها فلنحسن التعامل معها فقد قيل: بعض البصاير يعلم الله كما اهلها تشادي طعوساً مالها مرقاه ومن لا تبصّر في البصاير من اهلها رمته الافاعي في بحر يطماه ومن الأبيات التي تعالج هذا الموضوع ما نسب لشاعرين أحدهما رفاعي من جهينة والآخر أحمدي من حرب، ويربط الجوار بين الشاعرين، كما يوحد بينهما في الاتجاه تقارب الطباع والقيم الاجتماعية. ولقد كان الناس عندما يقدمون على الزواج يفكرون في من يصاهرون أكثر مما يفكرون في الزوجة، جميلة كانت أو غير جميلة، فإن أهم معيار يحرص عليه الأولون عند الخطبة لأبنائهم النسب: اترك البيت الردى وانص الرجال خذ عريبة بيت من أب وخال يوم تنظر في ولدها كالهلال وان مش في الدرب ما يغوى الدليل وقال آخر: وانا اوصيك بنت اللاش والمنبت الردي وبيت الردا خطر عليك رداه يجيك الولد من بيتهم ما يسرك كما زرع وَدْنٍ ما يرد ذراه حذرا تعدي عن بيوت الشجاعه وبيت الشجاعة ما يطيح بناه ومن ثم الحرص على احترام الأصهار, ولذا قال الشاعر ابن هضيب الأحمدي كما يؤكد رواة الأحامدة أو ابن عساف الرفاعي كما يؤكد رواة جهينة وقد عاش الشاعران في أواخر القرن الثاني عشر الهجري تقريباً أما الأبيات فهي: قالوا تزوج وقلت اخاف من بعض المشاجاة قد اني ارخص بعد ماني مع الارحام غالي خايف من اللي إذا امسى الليل تسري للملا لاه تنجع كما ينجع المسنى على حس الخيالِ والصبح انا اسرح وهي تسرح وبيت العز ننساه والبيت يمسي عليه الليل يومي به خلالِ وتقول حاذورك الما والحطب حذرك تنيساه وان كان أبطيت حذرك لا يصيحون العيالِ وان قلت انا حسبك الله قالت انته حسبك الله والله لا نشدك عنها كلمتك وش جابها لي تحت الحيا والمذلة قلت علمك ذا هو اياه مير اسرحي وامرحي وليا تورّيت تعالي والبيض ياناس فيهن ميل وانا الميل ما ادناه وانا إذا شفت حمل الميل ما في احتمالِ ووفق أدوات التحليل من حيث المفردات والعادات وغيرهما يمكن رد الأبيات لشاعرها, ولكن التحليل والتفكيك يتطلب أيضاً سعة صدر وصبرا, وهنا قد لا يهمنا كثيراً معرفة الشاعر بقدر اهتمامنا بالموضوع. وقضية الشاعر هنا لا تقبل التعميم كما يشير الشاعر في عجز البيت الأول فهو يبدي خوفه من أن يضطر إلى إغضاب أصهاره لو كانت مخطوبته من هؤلاء النساء اللائي تجذبهن الملالاة ويعني السهر في ساحات الغناء التي يحبها النساء، وامرأة تهمل شؤون بيتها ليست المرأة المنشودة للرجل. إذاً هذه الأبيات رفض اجتماعي لظاهرة اجتماعية جديدة تتصل بالحياة الأسرية ونقد لها، وصورة من صور تمرد المرأة واحتجاجها. أما شاعر الأبيات فربما نقلها أحد الشاعرين إلى مجتمعه فظن أنها من شعره، وربما لم يحسن روايتها فغير من مفرداتها وحذف منها أو أضاف إليها، لاسيما وأن النقل كان يعتمد على الرواية الشفهية.