الخلافات العربية متجددة ومتجذرة، وغرابتها أنها في كل ظرف زمني تلبس ثوباً جديداً، فزمن الانقلابات حضر اليسار واليمين الأول تقرب للشعب باستغلال عداء الغرب للعرب زمن الاستعمار، واعتبر كل من يتعامل معه وفق مصالح أو سياسات عدواً ثابتاً لأمتنا العربية، والعكس صحيح مع الدول الشيوعية ومنظومتها، لأنها رمز التحرر والتحرير بينما كانت جمهوريات السوفييت تخضع لما هو اسوأ من الاستعمار الغربي.. حالياً الاحتلال الأمريكي للعراق باعد بينها وبين الدول العربية بينما وضعها حلفاً لإيران، ومع ذلك حاولت دول الخليج التقرب مع الحكومة الحالية، إلا أنها بالغت بالرفض، مما أكد أن سياستها مقرونة بالإرادة الإيرانية التي لها مواقف واضحة في عدائها للدول الخليجية.. الثورات العربية، والتي لم تتضح اتجاهاتها باعتبارها تمر بمرحلة انتقالية، إلا أن الريبة بصعود قوى إسلامية متطرفة قد تخلق تباعدا مع الكثير من الدول العربية، ويكفي أن العلاقة الأكثر توتراً ليبيا مع الجزائر، عندما اتهمت الأولى الثانية بتعزيز وتأييد القذافي وتسهيل عبور المرتزقة منها، وهي تهمة نفتها الجزائر وقالت ان دول حلف الأطلسي التي حاربت نظام القذافي لم تؤكد ذلك، لكن موقف الجزائر من المجلس الانتقالي وعدم الاعتراف به، بدعوى التدخل الأجنبي زاد الهوة بين البلدين بشكل كبير.. سوريا ظلت تبرم اتفاقاتها مع الدول العربية وفق ما تراه يخدم سياستها، فمرة تقاطع مصر، لأسباب غير واضحة، ومرة أخرى تعادي السعودية لأنها مع استقرار لبنان ورفض تفرد أي قوة في إدارته، وهي الآن في مأزق مع شعبها لأن الصمت الذي أحكمته على المواطن قاد إلى امتداد الثورة لها، وقطعاً لا يدري أحد ما تؤول إليه الوقائع، ومن سينتصر، لكن العلاقات ستكون محكومة بالظروف التي تقررها حكومة ما بعد الأحداث.. تونس توجهها الحالي للداخل، وقد أبقت على علاقاتها هادئة أي أن موقفها لم يتغير، وحتى حالة الاضطراب في ليبيا فلم تدخل في خلاف، لأنها نسخة من ثورتها، ومع الجزائر والمغرب لا تزال ترى أن المستقبل لهذه الدول تقرره التعاون في الاتحاد المغاربي المأمول.. مع الخارج، كثير من الدول الغربية والشرقية قيمت الثورات العربية بصورة متباينة، ففي حين يأتي التقويم من أن مستقبل الديموقراطية سيكون في خدمة سياستها وأخرى تتخوف إما من حروب أهلية تجتاح هذه الدول، أو صعود تيارات متطرفة، وهي تزن مواقفها وفقاً لنبض إسرائيل والتي تخشى من تطورات سلبية، إن لم تشعل حروباً سياسية.. أما الدول التي تخشى امتداد النموذج العربي إليها، فهي تنتظر النتائج أي أن نجاح هذه الثورات سيكون نموذجاً مستعاراً، لكن في حالة اخفاقها فإن هذا سيطيل عمر حكوماتها، لكن العلاقات، لن تكون تبعية أي مثلما تمليه أمريكا على بعض الدول، أو تختار أوروبا أسلوب الضغط السياسي والاقتصادي وحتى دول آسيا وإن تقاربت مع الدول العربية بمختلف أنظمتها فهي الأكثر اعتدالاً في مراعاة المصالح..