أمامي الآن ثلاثة أنواع مختلفة من المعلومات عن الصين. أولها شاهدته على YouTube. وهو عبارة عن مقطع يعرض رقص بنات الصين للباليه الروسي الشهير" بحيرة البجع". فهذا الباليه الأسطوري، الذي يتكون من أربعة فصول، كانت الروسيات هن من يتميزون في أدائه. وهذا ليس بالأمر الغريب. فبحيرة البجع هي واحدة من الروائع التي ألفها المبدع الروسي بيوتر الييتش تشايكوفسكى. وقد عرضت لأول مرة في موسكو على مسرح البولشوي عام 1887 لتضاف بذلك إلى روائع هذا العبقري: كسارة البندق، الجمال النائم والأميرة النائمة. بيد أن الصينيات قد أبدعن أيما إبداع في أدائهن لبحيرة البجع. وقد جاءت المعلومة الثانية عبر البريد الكتروني المرسل من قبل أحد الزملاء الأعزاء. ومحتوى البريد يدور عن مقدرة الصين على علاج الأورام الخبيثة بمختلف أنواعها. وأنا هنا لا أريد أن أذكر أسم المستشفى ولا أسم المدينة التي يتم فيها علاج هذه الأورام طالما لم أتيقن بعد من صحة الخبر. ولكن على ذمة ما ورد فأن ثلاث من خطوط الطيران الخليجية تسير رحلات إلى هناك شبه يومية. أما الخبر الثالث فقد تناولته صحف يوم الثلاثاء الماضي حول عزم الصين هذا الشهر على أطلاق خط للقطارات السريعة جداً في العالم يربط شنغهاي ببكين العاصمة. ليصبح بالتالي أطول خط للقطارات السريعة في العالم- 1318 كيلو متر. وهذه الباقات الثلاث من المعلومات تدل على أن الصين تتطور ليس فقط في المجال الاقتصادي وحده وإنما أيضاَ في كافة الاتجاهات مثل الفن والصحة والاتصالات وغيرها. وليس ذلك وحسب بل أنها في طريقها للتفوق على منافسيها. فمعدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي إذا ما استمرت على هذه الوتيرة فإن الاقتصاد الصيني سوف يتحرك من الموقع الثاني الذي يحتله، بعد أن أزاحت اليابان عنه، إلى الموقع الأول. فإذا ما تم ذلك فإن هذا من شأنه أن يقلب بقية معايير النظام المالي والاقتصادي العالمي التي اعتدنا عليها. ولكن قبل ذلك أمام الصين، على ما يبدو، مشوار طويل. ففي هذا العالم الذي يعيد تشكيل نفسه لن يكون من السهل فيه على الصين أن تزيح جميع منافسيها عن مركز الصدارة وتجلس محلهم وذلك لعدة أسباب لعل أهمها: 1- أن القوة العسكرية الصينية ليس بذلك المستوى، على الأقل حتى السنوات الخمس القادمة، الذي يمكنها أن تؤمن للصين السيطرة والكلمة الأولى في القضايا الدولية- التي تدار لصالح المهيمنين على مصائر هذا العالم. 2- أن النظام المالي الصيني لم يتطور حتى الآن إلى نظام مالي عالمي. فاليوان الصيني حتى الآن مرتبط بالدولار الأمريكي ولم يصبح بعد عملة صعبة. 3- أن الاقتصادي الصيني لايزال يتطور وينمو بوتائر عالية ولكن لكل تطور حد تعقبه أزمة وفقاً للدورة الاقتصادية. ومن غير المعروف إلى أين سوف تؤدي الأزمة بالصين واقتصادها عندما تقع. ولذا نلاحظ أن البلدان التي لها الكلمة الطولى في قضايا هذا الكون، وعلى رأسهم الولاياتالمتحدة، تعمل كل ما في وسعها لتحجيم الصين. وكما لو أن هذه البلدان استفاقت على واقع مفاده أن التنين الأصفر قد أصبح يتطور أكثر مما هو متوقع في المجال الاقتصادي، العسكري، غزو الفضاء وتقنية المعلومات. ولذا نرى مدى الجهود المبذولة لإعاقة ذلك التقدم من خلال إحاطة الصين بالمشاكل والأزمات والأعداء وفرض طوق صحي حولها cordon sanitaire. وفي هذا الإطار كل الوسائل تعتبر جيدة مثل أذكاء جذوة الصراع الصيني- الياباني وقبله الصيني- الهندي وكذلك توتير العلاقات باستمرار مع تايون. وضمن هذا يأتي أيضاً الضغط على الصين لرفع سعر صرف عملتها. وهذا يذكرنا بالضغوطات التي كانت تتعرض للها اليابان فيما مضى. ولكن اليابان عندما استجابت لتلك الوصفات دخلت على الفور في طور الأزمة التي لم تخرج منها حتى الآن. فهل بمقدور الصين تجنب الفخ الذي نصب لليابان؟