استمتعت بقراءة الحوار الذي دار بين مدير عام الخطوط السعودية وهيئة الصحفيين. حسبما قرأت اتسم الحوار بالصراحة وسادته روح المودة. كان مدير عام الخطوط كريما في أجوبته حتى إنه وعد بإعطاء الصحفيين تذاكر مخفضة. من المؤكد بأني سأعود إلى المملكة قريبا. أرجو من الله أن يتحقق وعد معاليه بأسرع من عودتي. لكن إذا وضع معاليه وعد التذاكر في قائمة تسلسل ما وعد بإنجازه فأخشى أن خامس أحفادي لن يتمكن من التمتع بها. تذكرني حال الخطوط السعودية بسيارة شفروليه اشتريناها (قطة) أيام الطفر بثلاثة آلاف ومائتي ريال. اشتغلت بهدير مصنع متحرك من حراج السيارات إلى أن وصلت حارتنا. احتفالا بتدشينها في نفس اليوم رأينا أن نطلع البر. وضعنا المعاميل في الشنطة وكل منا ركب في المكان المخصص له. بعد مداولات مفصلة قررنا أن تكون وجهتنا ظهرة البديعة. ظهرة البديعة كما لا يخفى على بعضكم تعترضها طلعة طويلة. شقت السيارة حارات الرياض الخلفية وأحدثت ما طاب لها من غبار, ثم خرجت إلى شارع الشميسي الجديد لا تلوي علي شيء. ما أن تعدت دوار أم سليم ولامست كفراتها طلعة الشميسي حتى بدت عليها أعراض الخطوط السعودية. من حسن الحظ أو من سوء الحظ كان ركاب السيارة في عز مراهقتهم دون ساهر يتربص بهم. يدعي طبلونها أن سرعتها القصوى مئة وثمانون كيلو مترا بينما السرعة القصوى التي حصل عليها الشباب لم تتعد ستين كيلو مترا. لكن وسط الهدير المنبعث من كنداستها تحس أنك تنطلق بسرعة اربعمائة كليو متر في الساعة. دخلنا الطلعة وقبل أن ننتصف فيها أخذت سرعتها تنخفض بشكل متسارع وظهر عليها صوت كالحنين إلا أنها استمرت في السير بتعتعة وتلتلة. أخيرا أنجزت أول تحدياتها بكل اقتدار. زال صوت الحنين وتوقفت التعتعة والتلتلة وعادت إلى سيرها الطبيعي. تدفقت في شارع البديعة كالسيل الهادر. رغم النجاح استوجسنا خيفة من المستقبل. لم يكن يخفى علينا الفرق بين طلعة الشميسي وطلعة البديعة لكننا راهنا على المنحدر الذي يسبق تلك الطلعة. رأينا أنها سوف تكتسب في هذا المنحدر قوة دفع إضافية تجعلنا نتجاوز المحنة بمشيئة الله. كان هدير ماطورها يعطينا الاحساس بالجبروت والثقة. بالفعل كان تخميننا الفيزيائي صائبا. بلغت سرعتها في المنحدر أكثر من ثمانين كيلو. عندما دخلت الطلعة أحسسنا أنها تقلع. استمرت حوالي عشرين مترا في حالة إقلاع ثم فجأة ظهر صوت الحنين. ما أن تعدت العشرين مترا حتى ظهرت التعتعة والتلتلة وبعد أربعين مترا تقريبا تحول الهدير إلى انفجارات متقطعة. في منتصف الطلعة توقفت عن السير تماما. ضربنا بريك وربطنا الجلنط وتراكضنا نجمع أضخم الأحجار ووضعناها تحت الكفرات حتى لا تدحدر وتتركنا. تدارسنا الأمر. الحل الذي توصلنا إليه أن نفرغها من العفش والركاب ونجرب الإقلاع مرة ثانية. في المحاولة الأولى أضافت عشر أمتار. تفاءلنا. في المحاولة الثانية انخفض عطاؤها عشرين مترا. في المحاولة الثالثة قبل أن تصل إلى الطلعة انطفأ المحرك وبقي منطفئا إلى ساعة كتابة هذا المقال. تركناها وعدنا إلى الرياض. بعد يومين أحضرنا لها ميكانيكي. بعد ساعتين من التفكيك والتربيط والانبطاح تحتها قال الميكانيكي: تبون نصيحتي يا شباب بيعوها تشليح. كلما جاء طارئ الخطوط السعودية تذكرت سيارتنا تلك.