في بدايات عملنا كشباب في الصحافة كمهنة ، وفعل إيمان برسالتها في صياغة المجتمع ، وتكريس التنوير بين شرائحه وطبقاته، وممارسة تصحيح الخلل ، وفضح الأخطاء ، والاضاءة على الجوانب المعتمة في ممارسة المسؤولية التنفيذية في الجهات والمصالح والمرافق والمؤسسات الحكومية ، وفي محاولاتنا الجادة كمجموعات كان قدرها أن تعمل في هذه المهنة المرهقة والشهية إلى حد الوجع ، ورغبتنا في إيصال صوت المواطن الذي لاصوت له إلى مراكز القرار، وصناعة النمو، وتحديث حياة المواطن بما يتناغم ويتواءم مع معطيات ، وأنماط الحياة الحديثة ، وتحولاتها ، ومستجداتها . في ذلك الزمن الجميل جدا ، والمبهج في ثرائه، وحماسه، وطيب علائقه ، ونقاء تنافساته ومنافساته ، وروعة توجهاته . في ذلك الزمن كنا نبتهج ونحتفي ونفرح إلى حد النشوة بالقلم النسائي يمارس حقه في إبداء الرأي في القضايا الاجتماعية ، والاقتصادية، والفكرية، والتعليمية، والثقافية ، ويوكب حركة الحداثة ، والتحديث ، والانطلاق إلى فضاءات التنمية الشاملة على كل الصعد والمناحي ، ويأخذ دوره الطليعي في إعادة إنتاج وعي العقل ، وتشكيل ثقافة المجتمع على أسس من العقلانية ، وفكرة الإنتاج والمساهمة في إقصاء ثقافة الاتكالية ، والعجز ، والهروب من المسؤولية الاجتماعية . في ذلك الزمن الجميل نتحسر عليه كثيرا لم يكن على الساحة كأقلام واعية ، تحمل هموم المجتمع ، والوطن ، والجغرافيا ، والتاريخ ،وتتطلع إلى ساحات الإبداع ، والخلق ، والتكامل . لم يكن هناك إلا ندرة قليلة كالمبدعة القاصة حصة محمد التويجري ، والرائعات سعاد المانع ، وشقيقتيها عزيزة ونزيهة المانع ، والسيدة خيرية السقاف ، وفي الغربية فوزية أبوخالد ، وعدد قليل غيرهن . كانت أقلاما رائدة ومبدعة سجلت حضورا متميزا من خلال اللغة الجميلة التي تكتب بها ، وعبر الهمّ الذي تحمله كقدر لها ، وأثرت الساحة الصحفية بأفكار ، وآراء ، ومعالجات تعطي المؤشرات الحقيقية لفكر خلاق ، ونضج معرفي ، ورغبة في ممارسة الدور الذي يجب أن يمارسه الفرد في بناء مجتمعه ، واستشراف مستقبلاته . إلى أين من هنا ..؟ تذكرت زمالة وإبداع تلك الأقلام النسائية " عذراً : الابداع والخلق لايرتبطان بجنس "، وحضورها في صناعة الصحافة المكتوبة ، ومشاركتها المخلصة في الحركة الثقافية ، وأنا أجد ، وأتابع ، وأقرأ لعدد كبير جدا من الزميلات اللاتي يعدن تشكيل الوعي الاجتماعي على أنساق من العصرنة ، والانفتاح ، والتجديد في المسارات الفكرية المعقلنة ، ويمارسن دورهن التنويري في تكريس مفاهيم ، ورؤى ، وآراء نحتاجها كثيرا في زمن التحولات المفصلية . ومع فرحتي الكبيرة والطاغية بالتقدير الذي يمارس من الصحف للأقلام النسائية ، وإعطائها مساحة واسعة في الفضاء الإبداعي والمهني ، إلا أنني أقف تقديرا للخطوة التى مارستها " الرياض" الجريدة في تعييناتها الأخيرة وإسناد منصب مدير تحرير للزميلة نورة الحويتي ، ونائب مدير تحرير للزميلة نوال الراشد ، ومنصب مستشار تحرير للزميلة هيا المنيع، وهذا معلن ، أما الذي لم يكن معلنا فهو " تفرغ " أكثر من ست زميلات للعمل الصحفي ضمن كوادر الجريدة الصحفية . نعم : القلم النسائي أصبح صانع المطبوعة .