ربما كان من حسن الطالع أن يكون احتفال المهرجان الوطني للتراث والثقافة باليوبيل الفضي أتى والجنادرية تتمتع بأفضل حالاتها. إذ إن الحيوية التي لم تخطئها العين في مهرجان هذا العام أعادت الجنادرية إلى وهج صباها، حين كانت الآمال كبارا بأن تقوم بدور ريادي في المشهد الثقافي العربي. الحق يقال أن الجنادرية التي دخلت في نفق النمطية في بعض مواسمها صححت من مسارها هذا العام واستعادت مبادراتها وروحها الجريئة التي لا تتورع عن مواجهة الأسئلة الكبرى والاشتباك مع القضايا الجدلية. فبدءا من احتفالية المهرجان ممثلة في أوبريت وحدة وطن الذي قدم مقاطع شعرية محملة برسائل ذات قيم سامية إلى الندوات الثقافية التي حفلت بمناقشة أكثر القضايا حساسية وانتهاء بالقرية التراثية التي جذبت بنجاح عشرات الآلاف من الزوار، كل ذلك كرس الجنادرية كوجبة دسمة يتحلق حولها السعوديون وكحدث استثنائي في المشهد السعودي خلال الأسبوعين الماضيين. الجميل إن الجنادرية استطاعت دخول حياة الناس حتى باتت حديثا لمجالسهم. إذ وفرت الجنادرية لأسر الرياض فرصة ذهبية كي تبين، عمليا، للجيل الجديد عراقة تاريخ أسلافهم ومقدار النعمة التي أفاء الله بها عليهم. عبر الجنادرية ينبغي أن تصل رسالة لأبنائنا وبناتنا بأن الوطن كلمة لا تعني فقط النظر للمكاسب التي يقدمها لهم، وان الأجداد كانوا على استعداد لتقديم أرواحهم رخيصة في سبيله رغم شظف العيش والمصاعب التي يعانون. فضلا عن ذلك، فالمهرجان غدا فرصة للترفيه الذي يجمع أفراد العائلة، وهو ترفيه يندر مثيله في الرياض. جنادرية هذا العام جاءت تكريسا حيا لمفهوم الملك عبد الله الداعي للانفتاح وإعمال العقل وتقبل الرؤى المختلفة طالما أن الجميع ينطلق من موقف وطني ويجتهد ضمن سقف الأطر التي تحكم ثوابتنا. جنادرية هذا العام-ببساطة- حركت الراكد فقد كانت متنوعة ومشبعة لكل ذائقة. فرجال الفكر والقلم والفن وحتى رجل الشارع البسيط منحتهم الجنادرية ما يشفي غليلهم. كان من الواضح أن الرجال القائمين على المهرجان لم يبخلوا في متابعة أدق التفاصيل وأنفقوا بسخاء من جهدهم ووقتهم ومواردهم لبلوغ التميز الذي حققته الجنادرية. يعلم كل فرد ساهم في تحقيق هذا النجاح الباهر أن القادم سيكون أصعب. إذ إن مهمتهم ستصبح أن يتفوقوا على أنفسهم ويقدموا نجاحا أكبر مما قدموه هذا العام. القائمون على الجنادرية يستحقون منا -بكل صدق- الشكر والامتنان والعرفان.