يمكن القول إن عام ألفين وعشرة عام التألق الثقافي السعودي. معرض الكتاب, وجائزة التراث والثقافة، ثم مهرجان الجنادرية المتطور. بعد أن حقق معرض الكتاب النجاح الكبير على صعيد الحرية كأهم منعطف في اتجاهاته الثقافية في المملكة. يأتي مهرجان الجنادرية وينتصر على نجاحاته السابقة ليكون ظاهرة ثقافية تستمد وجودها من الإصرار على روح الوطن الواحد الذي عبر عنه الأوبريت مضافا إليه قيمة الحرية الجديدة التي ظهرت بوضوح مع أولى الندوات الثقافية. اتسمت قصيدة اوبريت الجنادرية هذا العام بكلمات ممتلئة بالناس والوطن والتاريخ. كأنما هي بوح شخصي لكل سعودي. كلمات بسيطة موحية تتحرك على حافة الكلام اليومي دون أن يمسها مباشرة. تعتقد أنك تستطيع أن تقولها. ( قرأت في تعليق على أحد مقاطع الأوبريت في اليوتيوب لأحد المشاهدين قوله ( دمعت عيني، قديش أحب وطني...).نقلت المشاهد من الاستمتاع بالأضواء والمشاهد وأصوات الفنانين الجميلة إلى المشاركة في رسم لوحة للوطن تمتد من التاريخ إلى الشخصي. رؤيا شعرية خارجة عن المألوف وتستبطنه. عندما ننتقل من رقة الشعر إلى غلظة الفكر، نطالع واحدة من أهم الندوات الفكرية التي دارت في المملكة منذ تأسيس الجنادرية. هنا تحفر الحرية التي يقودها الملك عبدالله بن عبدالعزيز مركزيتها الكبرى. الفكر السلفي هو مرتكز الفكر الديني في الخطاب الفقهي السعودي موضع نقاش. ارتبط هذا الفكر برجال الدين السعوديين. دافعوا عنه بمنطلقات علمية وأحيانا إقليمية. تطرح هذه الندوة الكبرى إشكالية تعريف هذا الفكر وتاريخه وتحولاته من خلال تنويع مصادر المتحاورين. انحياز الجنادرية للعلم. لاشك أن مشاركة فرنسا كضيف صديق في هذه الدورة من الجنادرية كانت موفقة وذات مغزى كبير. لم تعرف الأمة الإسلامية عراكاً ثقافياً مباشراً بين المسلمين وفرنسا منذ عهد الاستعمار الفرنسي لبعض الأقطار العربية والإسلامية. كانت الأمور تسير بين الشعبين في طريق متطورة حتى وقعنا في معضلة الحجاب والعلمانية التي دارت ومازالت تدور بين المدافعين عن الحجاب بوصفه رمزا إسلاميا أصيلا، وبين العلمانية المكون الثقافي الأساسي الذي يفخر به الشعب الفرنسي وكثير من الشعوب المتحضرة. دعوة فرنسا لا أظنها تعود إلى هذه الإشكالية ولكن لأن فرنسا واحدة من الدول الكبرى التي صنعت العالم الحديث وخاصة في المجال الفكري. الحوار الذي دار بين عدد من الباحثين والمفكرين حول الاشكاليات بين فرنسا والعالم العربي أرجو أن يكون بداية بين الطرفين وأن يكون للفرنسيين مركز كامل في الجنادرية يتجدد سنويا. بقدر ما تأخذنا الجنادرية إلى الماضي الجميل والتراث الوطني هي أيضا منارة للإطلال على الآخر و المستقبل. مازال أمامنا متسع من الوقت لقراءة الجنادرية، ولكن الجنادرية استجابت للتغيرات التي سطرها الملك عبدالله بن عبدالعزيز في كتاب هذا الوطن الكبير. يا ملكنا فيك نكبر يا مهاب يا قوي الباس يا الراس الصليب دوك شعبك في يديك مثل الكتاب سطر التاريخ يالنجل العريب