الوعود لا يمكنها إطعام الجياع، هذا ما أكدته قمة منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التي اختتمت أمس (الأربعاء) في العاصمة الإيطالية روما، والتي بحثت المأساة الإنسانية المخيمة على أكثر من مليار متضور يعاني السغب حول العالم. فالأرقام المخيفة التي أعلنها بان كي مون الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة لدى افتتاحه القمة تدعو العالم قاطبة لفتح فاهه دهشة وألماً على ملايين الجياع المفتوحة أفواههم وأحداقهم في انتظار ما قد يسد رمقهم ويحفظ حياتهم، فكل يوم يموت أكثر من 17 الف طفل من الجوع، طفل كل 5 ثوان، أي ستة ملايين في السنة وكل ما يفعله العالم هو التفرج عليهم وإلقاء بعض خطابات الندب والرثاء وإطلاق التصريحات والوعود، والتأكيد على وحدة الشعوب والإنسانية والضمير والمصير وما إلى هنالك من المصطلحات الرنانة، ليعود أهل السياسة إلى سياستهم وانتخاباتهم متناسين كل ما قيل، وغاضين الطرف عن كل هذه المشاهد المأساوية. ولازلنا نتذكر رسم الكاريكاتير الذي تحول إلى (بوستر) عالمي، حين جسد الرسام صورة طفل عار جائع محدودب الأضلاع محني الظهر، تبني العنكبوت بيتها على مؤخرته!! ورغم حضور أكثر من 60 رئيس دولة افتتاح قمة روما أغلبهم من افريقيا وأمريكا الجنوبية، إلا أننا لا نجد مبررا لغياب قادة الدول الصناعية الثماني الكبرى عن هذا المؤتمر العالمي الإنساني، إلا أن هذه الدول الكبرى غارقة في حياكة المؤمرات والنفاق وصرف أكثر من تريليون دولار ونصف على تعزيز ترساناتها النووية والعسكرية، للقضاء على البشر. وليس هناك أوضح وأصدق من لغة الأرقام للدلالة على تجاهل الدول الغنية لتفاقم مشكلة الجوع والفقر في العالم، فمنذ أن أخذت قمة الفاو عام 2008 على عاتقها خفض أعداد الجياع في العالم إلى النصف فيما أطلقوا عليه حينها هدف الألفية، ارتفع عدد الجياع من 850 مليونا إلى أكثر من مليار ومليوني إنسان حول العالم. إن عدم اهتمام العالم وتعاميه عن حقيقة الجوع الذي يفتك بالبشر في غير مكان من العالم سيقود هذه الأمم الجائعة إلى الانزلاق في المزيد من الحروب والاضطرابات والمهالك التي ستجر العالم بدورها إلى دوامة النموذج الصومالي ولكن بعدة نسخ هذه المرة. ومع تزايد عدد السكان في الكرة الأرضية وزيادة المآسي والكوارث الطبيعية والمصطنعة من احتلال وتدمير البلدان والزلازل والفيضانات والقرصنة وخطف السفن فضلا عن الأزمة المالية العالمية التي ضربت أطنابها في كل شيء حتى شحت الموارد وجفت البنوك، مما دعا رجال الأعمال الخيرين الذين كانوا يتبرعون للجمعيات الخيرية وصناديق الفقراء إلى التلكؤ والكفاف بل إلى التوقف لأن ميزانيات إيراداتهم تقلصت وجفت وتراجعت مما حدا بهم إلى العزوف عن الآخرين وإطعام الأفواه الفاغرة. وبعد أن جف الضرع ومات الزرع واستفحل الجشع وانتشر النصب والاحتيال وتبلدت المشاعر وماتت الأحاسيس ودفنت الرحمة في جيوب أبطال الأزمة المالية العالمية الذين جلبوا لنا من خلالها كل كوارث الكون وعاثوا في الأرض الفساد. فهل نقرأ في قمة روما أن كل الطرق تؤدي إلى الفقر، أم أن هنالك صحوة ضمير تعيد للإنسان اعتباره في عصر النظام العالمي الجديد؟! *المدير الإقليمي لمكتب دبي