الصندوق السعودي للتنمية ومجموعة البنك الأفريقي للتنمية يوقّعان مذكرة تفاهم لتعزيز التنمية الدولية المستدامة    تقرير رؤية المملكة 2030.. الأرقام تشهد    الخليج والصفا.. تحدٍّ جديد في دوري اليد    «بنات ألفة» يقتحم أسوان للأفلام    روسيا وأوكرانيا تتبادلان إسقاط المسيرات    «الخارجية»: المملكة تعرب عن بالغ قلقها جراء تصاعد التوترات العسكرية شمال دارفور    قلق في مجلس الأمن من هجوم وشيك على الفاشر    برعاية محافظ الطائف.. انطلاق فعاليات مهرجان الورد الطائفي «قطاف 19»    عباس يحذر من التهجير: وضع غزة مؤسف    الجائزة العالمية للرواية العربية تذهب ل"قناع بلون السماء"    سمو أمير منطقة الباحة يستقبل مدير عام فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالمنطقة ويتسلم تقرير عن الحالة المطرية    الوسطية والاعتدال أبرز قضايا مؤتمر "تعزيز قيم الانتماء الوطني والتعايش السلمي"    معلومات عن باستيان حَكَم مباراة الاتحاد والهلال    ولي العهد يلتقي رئيس مجلس الوزراء العراقي    الاتفاق يفتح ملف الفيحاء    حتى لا نفقد هيبة الأخضر في آسيا    أولى رحلات خطوط شرق الصين الجوية تصل السعودية    وزير الخارجية يلتقي نائبة وزيرة خارجية المكسيك    ولي العهد وأمير الكويت يستعرضان أوجه العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين    حفلات فنان العرب مؤجله حتى إشعار آخر    رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي: السعودية شهدت تطورا يعكس طموحها الاقتصادي    أشباح رقمية    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبدالرحمن بن فيصل بن معمر    منتدى الرعاية الصحية السعودي الأمريكي يحتفي بالابتكار والتعاون في تكنولوجيا الرعاية الصحية    نائب أمير منطقة مكة المكرمة يستقبل الرئيس التنفيذي لبنك التنمية الاجتماعية    أمير تبوك يواسي أبناء أحمد الغبان في وفاة والدهم    افتتاح الملتقى السنوي الثاني للأطباء السعوديين في إيرلندا    مؤتمر أورام الكبد يختتم فعالياته بالخبر بتوصياتً هامة    ساعة أغنى رُكاب "تيتانيك" ب1.46 مليون دولار    وكيل محافظة الزلفي يدشّن فعاليات أسبوع البيئة    رسمياً.. الزي الوطني إلزامي لموظفي الجهات الحكومية    صدور الموافقة السامية علي تكليف الأستاذ الدكتور عبدالله بن عبد العزيز التميم رئيساً لجامعة الأمير سطام    فرنسا تطرح مقترحات لمنع الحرب بين إسرائيل وحزب الله    محافظ خميس مشيط يدشن مبادرة "حياة" في ثانوية الصديق بالمحافظة    أمطار تؤدي لجريان السيول بعدد من المناطق    وزير الدفاع يرعى تخريج الدفعة (82) حربية    «هندوراس»: إعفاء المواطنين السعوديين من تأشيرة الدخول    وفاة الأمير منصور بن بدر بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود    طابة .. قرية تاريخية على فوهة بركان    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية.. استمرار الجسر الإغاثي السعودي إلى غزة    فريق طبي سعودي يتفوق عالمياً في مسار السرطان    العرض الإخباري التلفزيوني    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    270 دقيقة.. ويهتف «الشقردية»: نحن الأبطال    مؤتمر دولي للطب المخبري في جدة    أخصائيان يكشفان ل«عكاظ».. عادات تؤدي لاضطراب النوم    وصمة عار حضارية    التشهير بالمتحرشين والمتحرشات    تجربة سعودية نوعية    (911) يتلقى 30 مليون مكالمة عام 2023    أمير الرياض يوجه بسرعة رفع نتائج الإجراءات حيال حالات التسمم الغذائي    الأرصاد تنذر مخالفي النظام ولوائحه    واشنطن: إرجاء قرار حظر سجائر المنثول    المسلسل    إطلاق برنامج للإرشاد السياحي البيئي بمحميتين ملكيتين    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خيارات الحسم النهائي
فتنة الحوثية.. البداية والنهاية «الحلقة الخامسة»
نشر في الرياض يوم 29 - 09 - 2009

ما من شك أن العمل العسكري هو خيار الدولة الأصعب، وهو الخيار الأخير بعد أن استنفدت كل خياراتها وجهودها السلمية وقرار الدولة الأخير في توسيع نطاق عملياتها العسكرية ضد الجماعات الحوثية وتنفيذها وفق رؤية إستراتيجية أعمق وأشمل مما كانت عليه في المرات السابقة، هذا الخيار أضحى ضرورة وطنية حتمية لا مناص منه في ضوء التغيرات والمستجدات التي طرأت على طبيعة هذه الجماعة واستفحال خطرها واستوجبت معالجات صارمة وأكثر حزماً من هذه المتغيرات:
تنامي مظاهر الخطر الحوثي، واتساع القاعدة الاجتماعية من السكان المتضررين منه, وارتفاع تصاعدي ملحوظ في نسبة الهجمات والنشاط الاجرامي الذي مد أذرعه ليطال السكان ومنشآت ومصالح وطنية وممتلكات خاصة وعامة في مديريات جديدة بقيت خلال الفترة الماضية بعيدة عن نفوذ هذه الجماعة.
ارتفاع نسبة الجرائم المنفذة واتساع نطاق استهدافها وازدياد عدد ضحاياها وما ترتب عليه من خسائر مادية كثيرة والتركيز بدرجة رئيسة على أفراد القوات المسلحة والأمن في مواقع انتشارهم العملي واستهداف ملحوظ للشخصيات الاجتماعية وموظفي الدولة واحتلال مقراتها ومؤسساتها وتحويلها إلى ثكنات عسكرية بما فيها المدارس والمستشفيات.
تزايد ملحوظ في عدد الجماعات المغرر بها المنظوية تحت لواء الحوثية من محافظات مختلفة واستقطاب المزيد من المرتزقة والمقاتلين المأجورين إلى صفوفها وتنامي قدراتها العسكرية وإمكاناتها المادية بزيادة وتعدد مصادر دعمها الداخلية والخارجية.
محاولة النفوذ والتغلغل الفكري العقائدي المتطرف ونشاط العمل العسكري المباشر في محافظات خارج صعدة ومحاولتها المتكررة لاستدراج شرائح المجتمع في هذه المحافظات إلى دائرة الصراعات والاقتتال الداخلي على أسس طائفية مذهبية.
اتساع دائرة النشاط الخارجي الداعم لهذه الجماعة (عسكرياً ومادياً وفنياً وإعلامياً وسياسياً) والسعي إلى تحويل الصراع الداخلي إلى حرب اقليمية بالوكالة وتنامي محاولة التدخلات الخارجية في الشأن الوطني الداخلي, وهو ما يعزز من قدرة هذه الجماعة على التوسع والانتشار وإطالة أمد حروبها ضد الدولة والمجتمع, هذه وغيرها من المبررات إلى جانب فشل كافة المبررات السلمية؛ حتمت بالضرورة على الدولة والمجتمع اتخاذ قرار الحرب والمضي به قدماً حتى تتحقق كافة أهدافها الإستراتيجية.
تتميز العمليات العسكرية الراهنة عن غيرها من العمليات ذات الأهداف المرحلية التكتيكية ونطاقها العملياتي الضيق ومحدودية استخدام المعدات والآليات العسكرية.. تتميز هذه (الحرب السادسة) بأنها ذات أهداف سياسية أكثر شمولية وعمقاً عما سبقها وما يتطلبه ذلك من استخدام مكثف ومركز للأسلحة والمعدات.
يمكن اختزال الأهداف العامة للحرب الراهنة في النقاط التالية:
التدمير المنظم والمتواصل للتشكيلات العسكرية لجماعات التخريب وبنيتها التحتية وأسلحتها الثقيلة والمتوسطة ومستودعاتها ومقر القيادة وعقد وشبكات الاتصال وخطوط إمداداتها ووسائل دعمها العسكري اللوجستي وإخفاق الأنشطة التخريبية لهذه الجماعة وشل قدرتها على العمل وتصفية وملاحقة قياداتها في المستويات المختلفة, وتنفذ هذه الإجراءات وفق معلومات استخباراتية واستطلاعية ومسح جوي دقيق ومتواصل.
استخدام القوات المسلحة في هذه الحرب بشكل مكثف نابع من قناعة الدولة والمجتمع بضرورة تدمير البنى التحتية والقيم الثقافية والاجتماعية التي يمكنها أن توفر بيئة مناسبة لنشاط هذه الجماعة ومنعشة لتطرفها وإرهابها, وفي الوقت ذاته منع هذه الجماعة عن استخدام مختلف أشكال الحرب النفسية من تحقيق أهدافها في الإرهاب الفكري وتصفية وملاحقة العناصر الوطنية المعادية لها فكراً وسلوكاً والحيلولة دون نجاح هذه الجماعة في إضعاف وتدمير نشاط العناصر الوطنية أو تحييدها كما فعلت في الحروب السابقة, ومن هذا المنطلق يمكن القول ان الأهداف غير المباشرة لهذه العمليات العسكرية تتمثل في تدمير الروح المعنوية للجماعة الحوثية, وبالتالي قيمهم الفكرية الظلامية والحد من انتشارها في أوساط المواطنين؛ والأهم من ذلك رفع الروح المعنوية للمواطنين ودعم وتعزيز مواقفهم ومقاومتهم لهذه الجماعة وإضعاف قدرتها على القمع الوحشي للسكان الذي يعتبره الحوثيون احدى أهم وسائلهم الناجحة التي تساعدهم كما يعتقدون في تقوية مكانة الباحثين عن النصر الكامل لقوى التطرف, وتأصيل نشاطهم الإرهابي وتضخيم مكانتهم ودورهم في أوساط المجتمع داخل محافظة صعدة وغيرها من المحافظات.
الاستخدام الفاعل والناجح للقوات المسلحة والأمن في هذه المرحلة من الحرب ساعد حتى الآن في خلق حالة غير مسبوقة للاختراق الفكري والسياسي والمعنوي في أوساط هذه الجماعة الإرهابية، وأعاد الأمل والثقة إلى مواطني صعدة بإمكانية اجتثاث هذه العصابة وتخليص المجتمع من شرورها ودائها الخبيث, كما أن العمليات العسكرية استطاعت حتى الآن أن تؤكد للمواطنين في هذه المحافظة وغيرها بالبراهين الواضحة على التدهور المتواصل لأوضاع الجماعة الحوثية وعدم قدرتها على الاستمرار طويلاً في مواجهة الدولة والنظام والقانون؛ الأمر الذي عزز من مقاومة المواطنين لهذه الجماعة وتصعيد النقمة ومشاعر الإحباط ضدها وتجييش قطاع واسع من الشباب والمثقفين داخل صعدة للانخراط المباشر إلى جانب الدولة في الحرب ضد الحوثيين نفسياً وإعلامياً واستخباراتياً وعسكرياً مما شكل تهديداً قوياً ومباشراً هو الأول من نوعه لنفوذ وقوة هذه الجماعة وقاعدتها الاجتماعية التي بنتها خلال السنوات المنصرمة.
مزايا عديدة ترتبت حتى الآن عن الاستخدام الفاعل والمؤثر للقوات المسلحة والأمن؛ وتأكيد هيبة الدولة وشرعيتها في هذه المحافظة، وأدت إلى تخفيف غلو الحملات الحوثية الرامية إلى مد اذرعها الفكرية والعسكرية خارج محافظة صعدة وتجنيد المزيد من المتطرفين على قاعدة الانتماء السلالي او المذهبي والفكري العقائدي, أو على قاعدة استقطاب المرتزقة المحترفين المدفوعي الأجر، وحال دون نجاحها في فتح جبهات صراع جديدة خارج محافظة صعدة, كما كانت تخطط وتهدد به، وبالتالي شل قدرة هذه العصابة وإحباط مساعيها الرامية إلى صرف انتباه الرأي العام المحلي والدولي عن حقيقة جرائمها وشرورها إلى خارج محافظة صعدة.
حصيلة الضربات العسكرية التي تلقتها الجماعات الحوثية حتى الآن بشكل مباشر وغير مباشر ألحقت دماراً كبيراً في بنيتها التحتية العسكرية والمادية والمعنوية، وجردتها حتى الآن من أكثر من 50% من المخزون والاحتياطي العسكري الاستراتيجي "عتاد وأسلحة، ومواد غذائية وطبية" كما دمرت الجزء الكبير من نقاط القيادة والسيطرة، وحدت بشكل كبير من طرق ووسائل إمداداتها ودعمها اللوجستي الداخلي والخارجي.. لقد فقدت العصابة الحوثية حتى الآن جزءاً كبيراً من عناصر بنيتها وتشكيلاتها الحربية ودخلت بداية مرحلة الانهيار العسكري المتوقع حدوثه في أية لحظة، وأربكت الكثير من خططها الحربية وشلت قدرتها على المبادرة العسكرية وفقدت الكثير مما كانت تتمتع به من إمكانات كبيرة للمناورة السياسية الداخلية والخارجية والمناورة العسكرية في مسرح العمليات ولم تعد قادرة كما كانت في فرض خياراتها واسلوبها في المواجهة مع القوات المسلحة والأمن في المكان والزمان الذي تختاره إلى جانب ما تعانيه من نزيف يومي متواصل في قوام تشكيلاتها العسكرية العقائدية المحترفة والمجربة وأسلحتها النوعية.
المواجهة كشفت حتى الآن للرأي العام المحلي عن بعض من حقائق وجرائم هذه العصابة التي نجحت خلال الفترة الماضية في إخفائها على العالم من ذلك لجوئها إلى أساليب قهرية في اختطاف الآلاف من الأطفال والشيوخ وتجنيدهم للحرب بصورة تخالف القوانين والتشريعات الدولية مستخدمين في ذلك أبشع وسائل الإرهاب والابتزاز, وكذلك لجوئهم إلى منع النازحين من مغادرة أرض المعركة والإبقاء عليهم لاستخدامهم كدروع بشرية مكشوفة أمام القصف بهدف إحراج الدولة ومنعها من مواصلة مهامها, وآخر هذه الجرائم تتمثل في مهاجمة قوافل الإغاثة والإمدادات الخاصة بمخيمات النازحين والسطو المسلح عليها واستخدامها لتعويض خسارتها وتوفير الغذاء لعناصرها أو بإعادة بيعها للمواطنين بأسعار خيالية.
هذه وغيرها من التطورات السلبية والتداعيات الخطيرة داخل صفوف الحوثية التي أفرزتها العمليات العسكرية حتى الآن تحمل في مضامينها الدلالات الواضحة لبداية الانهيار الحتمي لهذه الجماعة والذي يتجلى اليوم بوضوح من خلال جملة من سلوكيات وتصرفات قيادتها غير العقلانية التي كان آخرها تحويل مخيمات النازحين إلى حصون بشرية لحربها ضد الدولة، واشتداد حدة الخلافات بين أقطابها وتناقض مواقفها وتصريحاتها وسعي كل طرف من هذه الجماعة إلى جني أكبر قدر ممكن من الأرباح والمكاسب المادية, والبحث في الوقت ذاته عن وسائل وطرق الهروب بأكبر قدر ممكن من الأموال التي تؤمن لهم حياة رغيدة خارج البلد.. كما تجلت في الآونة الأخيرة بداية تصدعات عميقة وانهيارات تدريجية متلاحقة في تحالفاتها الداخلية حيث يحاول كل طرف أن يؤمن مستقبله ويضمن حياته ويبحث عن وسائل يجنب نفسه من خلالها المساءلة والمعاقبة القانونية.
بداية انهيار الحوثية يمكن للمراقب البعيد عن ساحة المعركة وخارج الوطن قراءتها بوضوح في عدم اتزان وحدة وتشنج الخطاب الإعلامي والسياسي للقوى الأجنبية الحاضنة والداعمة للحوثية ودعواتها المتواصلة العلنية وغير العلنية للقيادات اليمنية لوقف العمليات العسكرية وعروضها المتواصلة للوساطة حينا والتلويح بوسائل الابتزاز والتدخل المباشر في الشأن الوطني حيناً آخر, وهذه وغيرها من التصريحات والمناشدات التي لا تقر بمسؤولية الحكومة الوطنية في حفظ السلام الوطني تسعى ايضاً إلى التقليل أو تجاهل دور الحكومة اليمنية في تأدية واجباتها ومسؤولياتها بطرق ووسائل عقلانية تؤكد بالملموس حرصها والتزاماتها في التقليل من شأن المخاطر والأضرار التي قد يتعرض لها المواطنون في المحافظة.
ما من شك أن أحد أبرز أهداف هذه العملية العسكرية هو التأكيد على شرعية الدولة وقدرتها على الفعل الذي يخدم مصلحة الوطن وأمن المواطن واستقراره في أي زمان ومكان على امتداد خارطة الوطن وامتلاكها للأدوات والوسائل المؤسسية الشرعية المقتدرة على تنفيذ سياستها وخططها وإجراءاتها العملية لحماية مواطنيها وفرض هيبتها وسلطانها، كل هذا ساهم في تقويض الشرعية الاستثنائية للجماعات الحوثية التي حاولت فرضها داخل مجتمع صعدة بوسائل الإرهاب مستغلة بذلك سلاح الجهل وتفشي الأمية والطبيعة المنغلقة في هذه المحافظة.. لقد نجحت العمليات العسكرية حتى الآن في تحقيق واحد من أهدافها والمتمثل في الحد من تأثير وفاعلية وسائل وأساليب الحرب النفسية التي يوجهها الحوثيون ضد المواطنين والحد من انتشار القناعات الفكرية والسياسية المتطرفة والمعلومات والأخبار المغلوطة المثيرة للجدل التي تم الترويج لها وجعلها مرتعاً خصباً لتفشي التطرف والإرهاب ضد النظام واستخدامها كوسائل لتعميم الاستياء الشعبي داخل محافظة صعدة من الدولة وجعلها مشجباً لتعليق لومهم عليها وتحميلها مسؤولية تفشي الفقر والبطالة وتدني معدلات التنمية.
باختصار يمكن القول ان أهم نتائج العمليات العسكرية على المواطنين في محافظة صعدة حتى الآن تتجلى من خلال ما أحدثته من تغيرات سياسية جوهرية في قناعاتهم وسلوكهم العام واتساع نشاطهم وعملهم المنظم المعادي لهذه الجماعة بشكل علني.
المعركة الحقيقية مع الحوثية ليست عسكرية، فالمعركة العسكرية كما ذكرنا منحصرة مهمتها في تدمير البنية العسكرية لهذه الجماعة والقضاء الناجز على تشكيلاتها وقدراتها الحربية ومطاردة وتصفية قياداتها الإجرامية أو تقديمهم للعدالة.
وإذا ما نظرنا إلى المعالجات للفتنة الحوثية بأبعادها المختلفة من منظور الاستخدام العسكري فقط فإن ذلك دليل قصور كبير في الفهم العميق والشامل لأبعاد هذه الفتنة المتشعبة والمعقدة, وبالتالي النتائج المتمخضة عن هذا العمل العسكري ستكون جزئية وغير حاسمة ما لم تقترن بموقف سياسي شامل وما لم تكن جزءاً من إستراتيجية وطنية عامة قادرة على توفير منظومة متكاملة من القيم والأفكار والسلوكيات والثقافات والإمكانات اللازمة التي تشكل خياراً فعالاً لتغيير الأرضية الاجتماعية والاقتصادية والفكرية العقائدية التي ينمو عليها التطرف والإرهاب الذي نعانيه اليوم ويتمظهر بعباءة مذهبية وخطاب سياسي محترف يوظف الدين لتبرير جرائمه.
من المنطقي أن تطرح فتنة الحوثية أمامنا تحديات جديدة على مستوى الفكر والثقافة والاخلاق الوطنية والدينية ويتوجب علينا دراسة هذه الظاهرة الخطيرة والخطرة في الوقت ذاته ومعالجتها من مختلف الجوانب, والقضاء عليها لن يتحقق من خلال عمل آني أحادي الجانب, بل من خلال منبع رعايتها ودعمها ومحاصرة الظروف المواتية لعملها, وهذا يتطلب تنسيقا وتعاونا مكثفا من أطراف عديدة داخلية وإقليمية.
على الصعيد الداخلي يمكن استقراء بعض ملامح المهام والواجبات الوطنية في المدى المنظور من خلال التوجهات التالية:
تمسك الدولة بنهجها الراهن في استخدام مؤسساتها الدستورية وأدواتها المسلحة الدفاعية والأمنية والمضي قدماً حتى تتحقق كافة الأهداف المرسومة لهذه الأدوات، والتمسك بدورها كقوة فاعلة وحاسمة في اجتثاث الظاهرة الحوثية وإخماد نيران الفتنة بالتزامن مع رعاية وإدامة التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والخدمية في محافظة صعدة وتطبيق سيادة القانون ومعايير الإدارة والحكم السياسي والنظام الوطني المناسب.
المعركة على الجبهة العسكرية التي تخوضها مؤسسة الدفاع والأمن، يجب ان تكون مقرونة ومتزامنة مع معركة أخرى أشد ضراوة وأكثر خطورة، معركة يخوضها المجتمع بكل مكوناته وأطيافه السياسية ومنظماته المدنية، وهذه معركة سياسية، ثقافية، اخلاقية وعقائدية دينية، مسخرة لتدمير المنابع الفكرية والثقافية والسياسية والعقائدية لهذه الفتنة وغيرها من الفتن المحتملة في الواقع الوطني، معركة ضد الظروف والعوامل المولدة للتطرف والفكر المنحرف والغلو والتعصب المدمر، وضد صعوبات وتعقيدات الواقع الذاتية والموضوعية وثقافة الإحباط واليأس السياسي التي تدعو الناس وتدفعهم إلى التطرف وتبني الإرهاب بدلاً من مواجهته، ومعركة كهذه يجب ان تتضمن معالجة أشمل للمشاكل المجتمعية في المحافظة ومحاربة الفقر والفوضى الاجتماعية والفساد وسوء الإدارة والتطرف المذهبي.
معركة المجتمع في هذه المرحلة يجب ان توجه لمساعدة الدولة في ترسيخ لبنات حكومية وإدارية لها قدرة على فرض النظام والقانون والتضحية الشاملة واحترام حقوق الإنسان.
علينا أن ندرك ان اجتثاث الحوثية كفكر ونهج ومعتقد وثقافة ليست معركة عسكرية فقط، بل معركة وطنية أشمل وتحتاج إلى سلسلة واسعة من المواقف السياسية والواجبات العملية في مجالات كثيرة غير عسكرية يمكن للمجتمع أن يسهم أيما إسهام فيها، وبالذات الأحزاب السياسية الوطنية التي من واجبها ان تدرك قبل كل شيء أن عدم امتثالها للدستور يشكل مخاطر غير مسبوقة، ولم يعد من حق هذه الأحزاب المراوغة والمناورة السياسية والمتاجرة في هذه القضية، وان تماديها واستمرارها في نهجها ومواقفها السابقة البعيدة عن المسؤولية الوطنية، سيؤدي إلى نشوء تهديدات كبيرة ومباشرة للأمن الوطني والإقليمي، وان مساعيها ومحاولاتها في استثمار الفتنة لإضعاف النظام الوطني، والدعوات إلى منع الدولة من استخدام مؤسساتها الدستورية المناطة بها حماية السيادة والوحدة الوطنية والأمن والسلام الاجتماعي، سوف يفضي إلى انتشار الفوضى والتمردات المسلحة في أكثر من محافظة تحت يافطات وشعارات سياسية مختلفة، وهذا يمثل خروجاً على الثوابت الوطنية والشرعية الدستورية ويضر بمصالح الوطن ووحدته.
واجبات الأحزاب في هذه الحرب المشاركة المباشرة والفاعلة وتوفير الدعم الشرعي للإجراءات التي تتخذها الدولة ضد هذه العصابة وإرهابها للمواطنين، ومن ضمنها الإجراءات العسكرية والأمنية الوقائية والحتمية، والإسهام المباشر في عمل وطني تعددي يساعد على عزل هذه العصابة وتطويقها سياسياً واعلامياً واجتماعياً وتجفيف منابع وروافد دعمها بأشكالها المتعددة المباشرة وغير المباشرة.
تجارب السنوات المنصرمة في الصراع مع هذه الجماعة المتمردة وتباين مواقف الأحزاب السياسية والقوى الوطنية وحساباتها الأنانية الخاصة أكدت على حاجتنا الوطنية الماسة إلى رؤية وطنية واضحة وقناعات جمعية تؤكد التزام كافة القوى السياسية بإدانة ومعاقبة ورفض كافة التوجهات الفكرية والأنشطة السياسية والسلوكيات العملية التي تمس ثوابت الأمة ومصالح الوطن العليا، وهذا لن يتأتى إلا من خلال قدرتنا المشتركة سلطة ومعارضة ومؤسسات مجتمع مدني على بناء وتنمية مفاهيم ومعايير وطنية مجمع عليها عن مدى الحريات الديمقراطية والسياسية المسموح بها ضمن إطار الثوابت والمسؤولية الوطنية المفروضة على كل فرد لحماية أمن واستقرار ووحدة المجتمع، بحيث يغدو التطاول أو الاعتداء على هذه الثوابت أحد أشكال السلوك الإجرامي الذي يعرض صاحبه للمساءلة والمعاقبة القانونية.
على الصعيد الإقليمي يمكن استقراء ملامح المهام والواجبات العملية للأشقاء في دعم الجهود اليمنية في اجتثاث هذه الظاهرة والقضاء الناجز على الفتنة، من طبيعة المصالح والمكاسب التي تجنيها هذه الأطراف من وراء هذا العمل بشكل مباشر وغير مباشر، ومن أبرزها:
الأثر السلبي لمثل هذه الاعمال الإرهابية والسلوك الإجرامي والتطرف الفكري العقائدي الذي يعانيه اليمن بفعل الفتنة الحوثية لا يمكن احتواؤه ضمن إطاره الجغرافي والتاريخي المعاصر إلى ما لا نهاية, وعدم القضاء على هذه الفتنة وهذه العصابة الإجرامية لا يوفر ضمانات كافية لمنع انتشار عدواها واستشراء فعلها التدميري على الآخرين سيما وأنها تقوم على أسس عقائدية دينية مذهبية، ومدعومة من قبل قوى إقليمية خارجية وظفت هذه الفتنة في خدمة أجندتها السياسية وتطلعاتها العقائدية المذهبية، وأصبحت في نفوذها على هذه الجماعة قاعدة على توجيه فعلها وسلوكها بما يخدم مصالحها وتطلعاتها الإستراتيجية في المنطقة.. وهذا ما يحتم بالضرورة تضافر الجهود الإقليمية لاحتواء هذا الخطر بمختلف الوسائل والأدوات الممكنة والمشاركة الفعلية في تحمل حصتها من العبء الاقتصادي الكبير المسخر للحرب ضد هذا الخطر الإرهابي والعقائدي المتطرف.
على الرغم من ان اليمن اختلفت مع البعض في المنطقة فيما يتعلق بفهمها وموقفها من طبيعة الصراع مع الجماعات الحوثية في بداية ظهورها العلني وتمردها المسلح ضد الدولة، ووجدها البعض حينها شأناً داخلياً يمنياً، إلا ان تكشف الكثير من الحقائق عن هذه الجماعة وجذورها الفكرية العقائدية المتطرفة ومروقها الواضح عن النهج والفكر الديني السليم، ومشاريعها السياسية القائمة على العنصرية السلالية والعصبية المذهبية وارتباطاتها الخارجية بأجندة سياسية تستهدف مصالح دول المنطقة، وزعزعة أمنها واستقرارها ووحدتها الدينية والاجتماعية ونظمها السياسية، هذه وغيرها من الحقائق حتمت على العديد من دول المنطقة إعادة النظر في طبيعة مفاهيمها ومواقفها من هذه الظاهرة وان تتعاطى معها بجدية من منظور مصالحها واحتياجاتها واحتياطاتها الأمنية والسياسية، في ظل تطور وتعدد أشكال ووسائل الإرهاب والعمل الإجرامي الذي يرتدي العباءة الدينية المذهبية، وزيادة تعقيدات التهديدات الإرهابية وتنامي خطرها على دول المنطقة بصورة مستمرة، ساهم في خلق قناعات رسمية وشعبية في الكثير من دول المنطقة بطبيعة المخاطر المحتملة التي يمكن ان تمثلها هذه الجماعة على دولهم وشعوبهم في حالة عدم القدرة على احتوائها، كما ان التدخل المباشر من قبل قوى إقليمية في دعم هذه الجماعة التي لن تتوقف لحظة عن اتهامها لبعض الأشقاء في المنطقة بالمشاركة في الحرب ضدها وسعيها المستمر على إضفاء الطابع الديني المذهبي على صراعها مع الحكومة اليمنية، وتقديمه للرأي العام العالمي باعتباره صراعاً بين الشيعة والسنة في العالم الإسلامي, كل هذا أفضى إلى بلورة رؤية سياسية ذات مضامين وأبعاد أمنية إستراتيجية لدى شعوب ودول المنطقة، وبروز مواقف واضحة تؤكد على أهمية مواجهة هذا الخطر بتضافر جهود كافة الأطراف الإقليمية والتعاطي مع اليمن والأمن القومي اليمني باعتباره حلقة مركزية ومحورية في شبكة الأمن الإقليمي وان هناك مصلحة إستراتيجية لهذه الدول في دعم الأمن والاستقرار في اليمن والاسهام المباشر في دعم جهودها وحروبها ضد الإرهاب والتطرف وإخماد جذور الفتنة والتمرد.
معرفة الحقائق وإدراك المخاطر والتعاطف السياسي والإعلامي من قبل الأشقاء رغم أهميته الكبيرة بالنسبة لليمن إلا انه لا يكفي ولا يلبي احتياجاتها في مثل هذه الظروف الاستثنائية، ان ما تحتاجه اليمن هو مصادر إضافية وقوية للنجاح في التصدي لهذه الأعمال الإرهابية والسلوك الإجرامي، ومواجهة الدعم الخارجي له، واحتوائه ومنع انتشار خطره على الوطن اليمني وعلى الأمن والاستقرار الإقليمي والسلام الدولي، وهذا لن يتحقق إلا من خلال حزمة من الإجراءات العملية المباشرة أهمها تعزيز القدرات الأمنية والعسكرية للدولة اليمنية وتعزيز اقتدارها على الحسم العسكري السريع والناجز لحربها الراهنة ضد عصابة الحوثية وتزويدها بما تحتاجه من مصادر وقوة مادية غير قادرة على توفيرها في الظروف الراهنة.
انطلاقاً من قناعاتنا المشتركة في اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي بأن مثل هكذا صراعاً فكرياً عقائدياً دينياً لا تحسمه العمليات العسكرية بشكل نهائي، وان حرباً من هذا النوع ستكون طويلة المدى وشاملة لكل المجالات غير العسكرية، وان الحلقة المركزية في الانتصار النهائي في هذه الحرب يتمثل في قضية التنمية ومرهون بما تمتلكه الدولة من موارد ومصادر اقتصادية تمكنها من أداء وظائفها التنموية والنهوض بمستوى حياة ومعيشة سكانها، وتجفيف مستنقعات الفقر والجهل والتخلف والبطالة التي تمثل بيئة مناسبة لاستزراع الفكر العقائدي المتطرف وتخلق شروط وعوامل نمو القوى الاجتماعية للإرهاب والسلوك الإجرامي.
وبناء على ذلك وانطلاقا من حقيقة التداخل الجغرافي والتاريخي والثقافي والوحدة الاجتماعية والعقائدية لشعوب المنطقة، ووحدة مصالحها واحتياجاتها الأمنية والدفاعية فان الإخوة في دول الجوار مدعوون للمشاركة في تحمل جزء من العبء لتجفيف مستنقعات الإرهاب والتطرف في الواقع اليمني، والتصدي المباشر لكافة الأفكار والمعتقدات الضالة والظلامية التي تعمل بها ومن خلالها هذه الجماعات.
حربنا المشتركة في هذه المنطقة في المجال الفكري والعقائدي والثقافي والأخلاقي، ضد التطرف والإرهاب، حرب طويلة وخطيرة للغاية ومعرضة للنجاح أو الإخفاق في أية مرحلة من مراحلها، ويجب ان تكون مشروطة بأن لا يفسح فيها المجال - ولو كان بسيطاً - لبروز قوى تطرف جديدة لمحاربة قوى تطرف قديمة تحت عباءة الدين وعلى قاعدة الفرز الطائفي المذهبي، إن الحكمة تستدعي قبل كل شيء مواصلة جهودنا في التعاون والتنسيق المشترك بشقيه الرسمي المؤسسي والشعبي الاجتماعي، وبالذات علماء الدين ورجال السياسة والمثقفون والإعلاميون ومراكز الدراسات والبحوث والمؤسسات المختصة، بهدف تعزيز قدرات مجتمعاتنا ودولنا على تبني وفرض استراتيجيات فعالة لخوض مثل هكذا حروب عقائدية خطيرة، لا يتحقق النجاح فيها إلا إذا كان الدين الإسلامي الحنيف بمفاهيمه وتطبيقاته ونهجه السليم قاعدة انطلاق وأداة حسم لهذا الصراع باعتماد مبادئه وقيمه ومثله الصحيحة والتمسك بنهجه القائم على الوسطية والاعتدال والتسامح والحوار ومشروعية الاختلاف والاجتهاد المستمد منابعه من الكتاب والسنة وتحكيم العقل في تطبيقاتها بما يقود إلى الحقيقة والحقيقة وحدها، ويخدم وحدة الأمة وسلامها الاجتماعي ورقيها الحضاري.
* رئيس تحرير صحيفة 26 سبتمبر اليمنية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.